نقولا ناصيف
أكثر من رسالة سياسية يعتزم «حزب الله» توجيهها غداً الجمعة في المهرجان الذي يقيمه في الضاحية الجنوبية باسم «مهرجان النصر». وقد حدد للمهرجان هدفاً أساسياً يمكن إيجازه بوضع حدّ نهائي يفصل مرحلة ما قبل حرب 12 تموز عمّا بعدها. وعلى نحو مماثل لما تقول به قوى 14 آذار، سيؤكد الحزب أنه هو أيضاً يرفض العودة إلى واقع ما قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان. ويعكس هذا التجاذب حجم المأزق الذي أفضت إليه هذه الحرب في الداخل ونتائجه على توازن القوى الحالي. بات كل من الطرفين يتصرّف على أساس أنه ربحها هو وخسرها ندّه.
في مهرجان غد يتجه «حزب الله» إلى وضع نتائج الحرب الأخيرة على محك الفريق الآخر في ضوء المعطيات الآتية:
ـــــــ الانقطاع الكامل للاتصالات والحوار مع فريقي رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ورئيس الغالبية النيابية سعد الحريري، وخصوصاً في الملفات الثلاثة الشائكة راهناً: المسألة الحكومية، مساعدات الإغاثة، مواجهة نتائج حرب 12 تموز. وترجمة لهذا الانقطاع فإن اللقاء الذي جمع السنيورة بمعاون الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، حسين الخليل (الثلاثاء 12 أيلول)، بناء على طلب رئيس الحكومة، أخفق في التوصّل إلى نتيجة، وتمسّك كل من الرجلين بمواقفه، وهو بذلك لم يتعدَّ كونه تبادلاً لعتاب ناجم عن تبادل الاتهامات بين الطرفين، وخصوصاً أن السنيورة عبّر عن استيائه من الطريقة التي وصفه بها الأمين العام للحزب.
ـــــــ أن مطالبة «حزب الله» بتأليف حكومة وحدة وطنية تقترب من أن تتحوّل خطة ينبغي أن تؤول إلى تحقيق هذا الهدف بالتعاون مع أحد أبرز حلفائه، الرئيس ميشال عون، عبر ممارسة ضغوط شتى على فريق الغالبية لحمله على التسليم بهذا الخيار. وفي واقع الأمر فإن هذه الضغوط لن تستثني أي عامل أو وسيلة، بما في ذلك الشارع، يعتقد الحزب، أن في الإمكان اللجوء إليها في الوقت المناسب.
وخطة كهذه لن يكون سبّاقاً إليها بعدما أسقط فريق 14 آذار حكومة الرئيس عمر كرامي في الشارع في 28 شباط 2005.
ـــــــ أن الربط بين التمسك ببقاء الحكومة الحالية وإمكان تعطيل تأليف المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري لا تبرّره قوى 14 آذار إلا كي تحتفظ لنفسها بالغالبية فيها. أما مصير تأليف المحكمة الدولية، بالنسبة إلى الحزب، فقد أضحى القرار في عهدة مجلس الأمن، وبات مسؤولية دولية مباشرة مذ صدر القرار 1644 في 15 كانون الأول 2005، بعدما خرج الأمر من مجلس الوزراء اللبناني إثر تصويت غالبية ثلثيه ــــــ أي فريق 14 آذار ـــــــ عليه في جلسة 12 كانون الأول، وقاطعها الوزراء الشيعة الخمسة، ساعات بعد استشهاد النائب جبران تويني.
في خضم التناقض الآخذ في الاتساع بين «حزب الله» وقوى 14 آذار، في السلطة وخارجها، يأتي «مهرجان النصر» ليوجّه أكثر من رسالة سياسية إلى الداخل خصوصاً، وإن بدا الحزب يريد أن يصوّر المهرجان على أنه موجّه الى إسرائيل كذلك:
أولاها، تأكيد الحزب قيادته الطائفة التي يمثلها في الحكم والشارع ومقاومة إسرائيل، ويعني ذلك أن المهرجان سيكون شيعياً في المقام الأول ترجمة لمغزى ما يريد «حزب الله» قوله، وهو أنه لا يزال يحتفظ ـــــــ وحليفه الرئيس نبيه بري ـــــــ بزعامة الطائفة الشيعية ويحظيان بثقتها. ويقع في سياق ترجمة هذا الواقع أن المهرجان سيقام على مساحة 150 ألف متر مربع، منها 110 آلاف متر مربع هي مساحة المكان الرئيسي للمهرجان، إضافة الى 30 ألف متر مربع من أرض مجاورة، إلى الشوارع المحيطة بالمكان. وتبعاً لذلك ستكون المشاركة استثنائية على مساحة استثنائية لم يسبق لمهرجان شعبي أن شهدها في تاريخ لبنان.
ثانيتها، ما دام الأمين العام للحزب هو الذي وجّه الدعوة إلى المهرجان، فهو بالتأكيد سيكون حاضراً، دحضاً لشكوك وتكهنات أحاطت بهذا الأمر مذ أُعلِن عن المهرجان. إلا أن إجراءات أمنية استثنائية سترافق مشاركة نصر الله في ضوء تهديد إسرائيل باغتياله حيث يظهر، غير عابئة بجموعه. ويبدو أن الإجراءات الاستثنائية تلحظ احتمال تحرّك بوارج أو تحليق طائرات إسرائيلية للتعرّض للاحتفال، وبذلك تكون إطلالة نصر الله غداً هي الأولى أمام جمهور، منذ المؤتمر الصحافي الأخير الذي عقده بعد ساعات على أسر «حزب الله» جنديين إسرائيليين عند «الخط الأزرق» في12تموز، وتالياً فإن التهديدات الإسرائيلية توجب طريقة مختلفة لإطلالة الزعيم الشيعي.
ثالثتها، أن الحضور المتوقع للاحتفال سيكون ضخماً، وسيشارك فيه حلفاء الحزب: حركة «أمل» والتيار الوطني الحر وتيار الوزير السابق سليمان فرنجية وحزب الوزير السابق طلال أرسلان وأعضاء «اللقاء الوطني» وممثلو الأحزاب و«الجماعة الإسلامية»، إلى مشاركة صيداوية بدعم من النائب أسامة سعد وعبد الرحمن البزري. ويعكس ذلك مروحة التحالف المواجه لقوى 14 آذار على نحو يبدو أنه يرمي إلى استعادة الرقم مليون في الشارع.
رابعتها، هي الكلمة التي سيتوجه بها نصر الله في المهرجان وتتركز على المعطيات الآتية وفق نبرة يقول المطلعون إنها قوية ومعتدلة:
ـــــــ تأكيده أن «النصر كان إلهياً». وفي ردّ غير مباشر على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي أنكر هذا البعد في حرب الحزب مع إسرائيل، يتجه نصر الله إلى شرح موقفه هذا كجزء من اقتناع ديني وعقائدي يتسلّح به «حزب الله» ويُثبّت يقينه.
ـــــــ توجيه رسالة شكر وتقدير إلى الأحزاب والقوى والدول التي وقفت إلى جانب الحزب في الحرب الأخيرة محلياً وإقليمياً (سوريا وإيران)، وإلى الشخصيات الدينية والسياسية العربية والإسلامية في الخارج.
ــــ تأكيد تحالفه الوثيق مع القوى اللبنانية التي ساندته، وأخصها حركة «أمل» وتيارا عون وفرنجية.
ــــ رفض «الوصاية الدولية على لبنان» وتسليمه سياسياً وعسكرياً إلى دول تتخذ من مجلس الأمن والقرار 1701 مظلة لذلك.
ـــــــ تحديد موقف الحزب من الملفات الداخلية، ومنها المسألة الحكومية، والمناداة بحكومة وحدة وطنية وسلاح المقاومة، مع جزمه بأن هذا السلاح «باقٍ... باقٍ... باقٍ».
أما مغزى العبارة الأخيرة عند الحزب، فإخراج سلاح المقاومة من التداول والاشتباك السياسي، وفصله حتى إشعار آخر عن أي حوار محتمل.
وتبعاً للعبارة الشائعة أخيراً: «ليخيّطوا بغير هالمسلة».