تفاعلت أمس قضية القرار 2403 (وليس 2303، كما ورد نتيجة خطأ مطبعي لم يؤثر في المضمون في عدد أمس)، الذي نشرت تفاصيله «الأخبار» في صدر صفحتها الأولى على أكثر من مستوى سياسي وإعلامي. وفي وقت توسعت فيه المراجع السياسية للبحث في خلفيات القرار وتوقيته كان وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت يتنقّل بين شاشة وأخرى، ليطلق جملة مواقف بدأت عبر«المؤسسة اللبنانية للإرسال» ثم عبر القناة الفضائية «آي.ان.بي» وبعدهما عبر «تلفزيون لبنان». قبل أن يصدر سلسلة بيانات أحدها عن مكتبه وآخر رداً على«الأخبار». وفي سلسلة الإطلالات الإعلامية لم يتناول الوزير فتفت مضمون القرار لا نفياً ولا توضيحاً ولا تكذيباً، بل أكد عليه لأنه «قرار علني وليس سرياً» كما قال، وهو أيضاً لم ينف ما نشرته «الأخبار» من قراءات للقرار في توقيته والأهداف من وجهات النظرالمنتقدة، الرافضة أو المؤيدة احتراماً منا للرأي والرأي الآخر، ولفت نظرنا الى تجاهلنا ضم «مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين” الى “شبكة الربط الإلكتروني” بين الأجهزة كافة.
وفي السياق نفسه أوردت مراجع معنية بعض المخالفات الدستورية ومنها:
ـــ أن أي قرار كالقرار 2403 الصادر عن وزير للداخلية لا يمكنه أن يعطل أو يمس الأسباب الموجبة والأهداف لأي قانون وخصوصاً “القانون الخاص” الرقم 11 الذي ينظم إصدار جوازات السفر والصادر عام 1968. وهو القانون الذي أعطى المدير العام للأمن العام «حصرياً» حق إصدار جواز السفر لأي لبناني مهما كان موقعه من رأس الهرم كرئيس الجمهورية الى أي لبناني آخر، وهي صلاحية غير قابلة للتفويض الى أي مرجع أو موظف آخر.
- أن الحديث عن «شعبة» المعلومات لا أساس قانونياً له وهو “فرع” تابع “لشعبة الخدمة والعمليات” بموجب المادة 13 من المرسوم 1157 الصادر بتاريخ 2 أيار 1991 والخاص “بتحديد التنظيم العضوي لقوى الأمن الداخلي”، والتي نصت في حينه على المهمات المنوطة بالفرع على الشكل الآتي “في مجال المعلومات: تحديد نوعية المعلومات التي ترى المديرية العامة ضرورة جمعها وتزويدها بها تمهيداً لاستثمارها. وبث المعلومات التي من شأن القطعات الاستفادة منها، بأقصى ما يمكن من سرعة”. وكل ذلك قبل أن يَصدر تعديل آخر عمل على إصداره الرئيس الراحل رفيق الحريري بموجب المرسوم 3904 الصادر بتاريخ 6/8/1993 الذي أضاف الى صلاحية الجهاز مهمات إضافية تنص على الآتي: “مهمة استقصاء المعلومات المتعلقة بالأمن والانضباط العسكري لعناصر قوى الأمن الداخلي والعاملين في القوى المذكورة ومراقبة أعمالهم وتصرفاتهم في الخدمة وخارجها والمعلومات المتعلقة بسلامة وأمن الثكنات والمباني ومختلف أنواع العتاد والتجهيزات العائدة لها وجمعها واستثمارها والتحقيق بها وملاحقة الفاعلين والضالعين فيها وفقاً للأصول القانونية النافذة. والتنسيق عند الاقتضاء مع سائر الأجهزة الأمنية المختصة بشؤون الاستعلام وتبادل المعلومات. ويجهز الفرع بالوسائل التقنية اللازمة في حقلي الاتصالات وتخزين المعلومات. وتحدد هذه المهمات بتعليمات تصدر عن المدير العام لقوى الأمن الداخلي”.
وعلى المستوى الإداري علمت “الأخبار” أن الكتب التي رفعها كل من المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي والمدير العام للأمن العام اللواء وفيق جزيني جاءت بناءً على طلب الوزير فتفت الذي أصر على «اقتراح» الإجراءات الواجب اتخاذها لمراقبة حركة السوريين على طريق المصنع والمعابر البرية الأخرى وضبطها كما هو حاصل في المطار، فكان الجواب أن المكننة ضرورية لضبط معبر المصنع والمعابر الأخرى لأن السوريين وخصوصاً المجنسين منهم يستخدمون التذاكر في تنقلاتهم عبر الحدود، ومن الأفضل في مثل هذه الحال الحصول على اللوائح الخاصة ببطاقة الهوية لضبط حركة العبور ومراقبة السوريين بشكل خاص.
وقالت المصادر لـ«الأخبار» إن هذا ما اقترحه على الأقل المدير العام للأمن العام ولم يتناول البحث بقية التفاصيل المتصلة بنزلاء الفنادق ولا جوازات السفر الى ما هنالك من المؤسسات التي شملها القرار 2403. وفسر الوزير فتفت ما نشر بأنه «محاولة اغتيال سياسي لي عبر محاولات تحريض على شخصي كما سبق وحصل مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري وغيره من الشهداء»، داعياً «الى تحمل المسؤولية اذا تعرضت لمكروه»، وأكد أن من يسرب المعلومات «يقبض عليها» وأن القرار “سينفذ ونصر عليه كما يصر رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة”.
وفي حديثه الى “المؤسسة اللبنانية للإرسال” جدد فتفت الحديث عن محاولة اغتياله سياسياً واتهم «بعض الإعلاميين وبعض السياسيين بمحاولة إحداث انقلاب في الوضع السياسي وبخلق فتنة أمنية، طائفية ومذهبية بشتى الوسائل».
وفي حديثه الى فضائية “آي. ان بي” جدد فتفت الحديث عينه تقريباً مع فارق ببعض العبارات، أما في رده المباشر على«الأخبار» فقد وثق الرد وشرح أهداف القرار 2403 واتهامه بالقيام بانقلاب أمني على خلفيته، ورد إصداره الى قرار اتخذ في اجتماع لمجلس الأمن المركزي عُقد بتاريخ 5 أيلول 2006 لتنفيذ الربط الإلكتروني بين مختلف إدارات وأجهزة وزارة الداخلية، وتحدث عن كتاب اللواء جزيني الذي اقترح فيه تـأليف اللجنة التي ستنفذ عملية الربط وتكليف رئيس مكتب شؤون المكننة في الأمن العام العميد منير عقل رئاستها، وأخرى من اللواء ريفي الذي حدد الأجهزة المطلوب الربط في ما بينها للضرورات الأمنية، وبسبب عدم وجود آلية فنية تسهل عمل أي جهاز أمني في الحصول على أي معلومة من أجهزة وإدارات رسمية أخرى بالسرعة اللازمة، مع الإشارة الى أن التحليل والتقاطع وربط المعلومات الإدارية والأمنية بالسرعة اللازمة، يزيد فرص كشف مرتكبي أي حادث أمني. بناءً على هذه الطلبات، المنطلقة من حرص الأمن العام والأمن الداخلي على أمن المواطنين وسلامتهم، وتأمين أفضل الشروط للمحافظة على هذا الأمر.
أضاف البيان: “اتخذ وزير الداخلية والبلديات القرار رقم 2403 الذي قضى بإنشاء اللجنة التي ستشمل الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية كافة إضافة الى الشركات المتخصصة بالمكننة وذلك من أجل العمل على تنفيذ ما هو مطلوب. بناءً عليه، فإن القرار 2403 المنوه عنه، يهدف إلى مكننة المعلومات الموجودة لدى الإدارات التابعة للوزارة، وتحقيق أكبر قدر من التنسيق والتكامل في عمل مختلف الأجهزة الأمنية، من أجل تفعيل دورها في كشف الجرائم والعمليات الإرهابية، حفاظاً على أمن المواطن اللبناني أسوة ببقية دول العالم”.
وفي تعليق له على مداخلة الوزير فتفت الى المؤسسة اللبنانية للإرسال قال المحامي نعيم مراد في بيان له عبر «الأخبار»: “استمعت باستغراب شديد الى وزير الشباب والرياضة أحمد فتفت بصفته وزيراً للداخلية بالوكالة، وذلك في اتصال هاتفي مع مقدم برنامج «نهاركم سعيد» وليد عبود، الذي بادره بالتساؤل عن مدى ارتباط بعض الكتابات الصحافية في اليومين الأخيرين بمحاولة اغتيال أحد ضباط الأمن قبل أسبوعين؟! فما كان من الوزير إلا أن سلم بصحة التساؤل واصفاً الكتابات الصحافية المعنية بأنها «اغتيال سياسي للوزير فتفت».
أضاف: “إن كان تساؤل مقدم البرنامج وجواب الوزير فتفت مستندين الى معلومات يعرفانها فكلاهما ملزم بكشفها ووضعها بتصرف قاضي التحقيق، وإلا كانا معرقلين لسير التحقيق ومسؤولين عن عدم إحقاق الحق. أما اذا كان تساؤلهما العلني من باب التمريك الإعلامي والمساجلة السياسية، فيقتضي الأمر عندئذ تذكيرهما بأن موقفهما هذا ينطوي على فعل تضليل التحقيق ودفعه في اتجاه خاطئ، الأمر الذي يرتب عليهما مسؤولية قانونية وسياسية على حد سواء”.
(الأخبار)