جان عزيز
مرتاح جداً... هذا هو الانطباع الذي يخرج به محدّث ميشال عون هذه الأيام. ابتسامة دائمة وطرفة حاضرة في محل أجوبة كثيرة، كأنه نائم على أوراق كثيرة، وممسك بكل الأوراق، أو كأنه ممسوك بأمر واحد: انسجامه مع نفسه.
عن رحلة بلجيكا والشائعات، يبتسم أيضاً وكثيراً قبل ان يجيب: “دعهم “يتحرقصون”. لو كنت أنا السائل، هل كانوا ليضعوا في تصرفي طائرة عسكرية خاصة؟”. ماذا حصل في بروكسل إذاً؟ “أحبوا سماع رأي آخر حول الأوضاع في لبنان ومهمة القوة الدولية. بروكسل وروما باتتا مدركتين الواقع اللبناني وتعقيداته ومقتضياته أكثر بكثير من باريس. كانت وجهات نظرنا متقاربة حتى التطابق. كررت تحذيري من أي خروج عن حقيقة القرار 1701، ومن أي تحوير في مهمات القوة الدولية، وإلاّ تحولت من 15 ألف جندي دولي لإحلال السلام، الى 15 ألف مسلح يخوضون حروباً في غير محلها”.
ويتابع الجنرال “جولته” الاوروبية والدولية: “ما سّر هذا الفارق أخيراً بين تشاؤم جاك شيراك والتفاؤل النسبي للإدارة الأميركية؟ الأول لا يتحدث إلاّ عن مخاوف وحروب، فيما واشنطن تبدو أقل سوداوية؟ هل الأمر متعلق بتطورات العلاقة الأميركية ـ الإيرانية؟ هل التمايز بين واشنطن وباريس بدأ ينعكس على دور حلفاء شيراك في بيروت وتوقعاتهم ومستقبلهم؟”.
يبتسم عون مكتفياً بطرح الأسئلة، قبل ان يتبعها بخلاصاتها اللبنانية: “نحن أمام سلطة فئوية في لبنان. وسلطة كهذه لا يمكن كل جيوش الأرض ان تضمن لها استمرارها. الشعب هو مصدر كل السلطات، لا الدول الخارجية ولا الجيوش الأجنبية ولا أي قوة في العالم. نحن لا نراهن على أحد، إلاّ على ناسنا وشعبنا. عام 1989 طلبت من السفير الأميركي جواباً واحداً عن سؤال يتيم: هل يمكنك إعطائي تطمينات حول بقاء الدولة اللبنانية؟ سكت ولم ينطق بكلمة، قلت له: أحترم صدقك المعبّر عنه بصمتك. بعدها أرسلت موفداً الى واشنطن حاملاً السؤال نفسه، فجاءت الأجوبة: لا ضمانات. عندها قلت، ليأتوا وليأخذوا لبنان بالقوة، لن أسلم بلدي طوعاً. اليوم ثمة أسئلة مماثلة نطرحها حول التوافق والتوازن والعيش المشترك، ورأينا الصمت نفسه منذ قانون الانتخاب في أيار 2005 وحتى اللحظة، لذلك لن نستسلم وسيقتنعون لاحقاً كما اقتنعوا سابقاً”.
عن العلاقة مع “حزب الله” ونتائج الحرب، تعلو الجدية سحنة عون: “أكثر ما يغيظ فريق الأكثرية الآن، هو تساؤلهم: كيف ظبطت مع عون! وكأنني في هذا المجال كنت صاحب حسابات سياسية أو مصلحية! لم تكن عندي أي حسابات. من جهة كان هناك عدو يعتدي على وطني. ومن جهة ثانية كانت هناك جماعة كاملة من شعبنا تتعرض للقتل والاضطهاد. موقفي كان بديهياً. منذ أكثر من سنة قلت لأحدهم: تستهدفون الشيعة بكليتهم. وهذا استهداف محكوم بالفشل. لأن الجماعة الشيعية إذا ربحت حربها ضد اسرائيل، فسنكون شركاء معها في عيشنا المشترك. واذا خسرت تلك الحرب فسنكون شركاءها في العيش نفسه. لا يمكن الرهان على موت جماعة أو إبادة شعب، هذا جنون. ونحن الذين اضطهدنا في السنوات الماضية ندرك أكثر من سوانا. كيف لقلة مضطهدة ومؤمنة بحقها أن تجترح المعجزات في صمودها... أنا لم أحسب حسابات في الحرب الماضية. أنا كنت أنا”.
وعلى رغم هذا الموقف المبدئي، ماذا عن حسابات الربح والخسارة التي قيل إنه خلّفها؟ماذا عمّا يحكى عن تدن في شعبيته؟ فيردّ عون:
“اذا كانوا يؤمنون فعلاً بهذه الشائعات، فليتفضلوا وليجروا انتخابات نيابية مبكرة. لكن الأهم على المستوى الميثاقي اللبناني، على مستوى رسالة المسيحيين وحضورهم في كل المنطقة، لقد أمضى بعضهم عقوداً طويلة من عمره ينظر لمصالحة المسيحيين مع ذاتهم ومحيطهم، ولإعادة ترسيخ دورهم ورسالتهم في الشرق، فماذا أنجزوا على هذا الصعيد؟ نحن في شهر واحد جعلنا الوجدان المحيط كله يدرك ان المسيحيين جزء أصيل من هذه المنطقة، وأنهم معتنقون قضاياها وهمومها ومعاناتها. اسألوا أي مواطن في أي دولة من دول المنطقة عن ذلك، اسألوا أي لبناني مسيحي يعمل أو يقيم في تلك الدول. هذا إنجاز تاريخي بدأ اليوم وستكون له نتائج كبرى في كل يوم آت”.
وأخيراً ماذا عن الكنيسة؟ تقول الشائعات دائماً إن هناك تمايزاً بين بكركي والرابية؟ لا يكتفي الجنرال للجواب بالوقائع الراهنة، هو من سمّاه سيد الصرح قبل سنة “زعيم طائفته”. ينده أحد معاونيه، فيأتيه برسالة ميشال عون الى آباء السينودس من أجل لبنان، المؤرخة في 5/12/1995، ويقرأ: “أنا لا أسعى أبداً الى تسييس الخطاب المسيحي، جلّ سعيي ربط العمل السياسي بالخلقية. بما ان السياسة تتعلق بالانسان وتتوجه إليه في الدرجة الأولى، فالكنيسة لا يمكنها الانصراف عنها، ولا يمكنها التورط فيها ولا الحلول محل المؤسسات السياسية. وما كان انغماس الكنيسة في الصراعات السياسية ومساندة البعض ضد البعض الآخر، إلا سبباً لإحداث شرخ اجتماعي وأزمة بين المؤسسة الأم ومؤمنيها”، ويتابع: “هذا ميثاقي مع الكنيسة منذ البدء ودائماً، ولا مشكلة أبداً إلا في أوهام الواهمين”.
مرتاح الجنرال هذه الأيام، جداً!