بسام القنطار
في بيته المتواضع في كفرمتى يجلس شيخ عقل الدروز ناصر الدين الغريب بعد يوم على تعيينه في دارة الأمير طلال أرسلان في خلدة. يلبس البيت ثوب الفرح، لكن الحزن لا يفارق مداميكه الشاهدة على جريمة حرب ارتكبت عام 1982.
منذ الصباح الباكر، كان الشيخ أبو فيصل ناصر الدين الغريب يستقبل المهنئين في باحة منزله في بلدة كفرمتى في قضاء عاليه، بعدما أمضى ساعات متأخرة من ليل أول من أمس في استقبال المهنئين. وكان الشيخ قد استقبل بعد وصوله إلى منزله على وقع الأهازيج ورصاص الابتهاج في ظل أجواء هادئة وانتشار امني كثيف جداً للجيش وقوى الأمني الداخلي قدّر بأكثر من 200 عنصر.
ويعتبر الشيخ ابو فيصل، احد المشايخ المعروفين في الطائفة الدرزية، وهو ابن بيت ديني نشأ منذ طفولته على القيم الدينية. شقيقه قاضي المذهب الدرزي السابق الشهيد مسعود الغريب الذي قتل مع أكثر من 100 من أبناء بلدته على أيدي ميليشيا القوات اللبنانية عام 1982 في مجزرة كفرمتى الشهيرة التي تعتبر واحدة من أبشع جرائم الحرب التي ارتكبت إبان الحرب الأهلية.
وفي حديث خاص بـ«الأخبار» يبدأ الشيخ «من كفرمتى الجريحة التي عانت ويلات الحرب والتي دفع أبناءها ثمن وطنيتهم وكان ثمناً غالياً جداً". ويضيف" أن تعييني شيخ عقل خطوة أعادت الاعتبار وأحقت الحق ونأمل أن نكون الوسيلة بعناية من الله لتحقيق الهدف المنشود وهو توحيد الكلمة والصف وإعلاء كلمة الحق على الباطل، وهذا هو الهدف الأسمى الذي دفعنا إلى قبول هذا المنصب".
وفي تعليقه على اعتبار أوساط درزية ان تسميته شيخا للعقل غير قانوني أو رسمي، باعتبار ان شيخ العقل الذي ينتخبه المجلس المذهبي الدرزي خلال شهر، هو الشيخ المعترف به رسمياً وقانونياً، وهو الذي سيمسك الأوقاف الدرزية. يقول الشيخ «كنا نتمنى أن يكون المجلس المذكور مذهبياً بامتياز وليس مجلساً سياسياً، حتى ولو كان بالمناصفة بين رجال السياسة. يجب أن يكون لرجال الدين الدور الأكبر والعدد الأكبر حتى يتمكنوا من صيانة الاوقاف بالتعاون مع شيخ العقل الذي يرأس هذا المجلس، وان تكون صلاحيته اجرائية وتنفيذية وليس فقط الاشراف، خصوصاً في قضية الأوقاف حيث يجب ان تتبع وصية الموصي لان هذا الأمر عظيم دينياً ويجب أن لا يجتزأ أو يعدل أو يلغى».
وحول موضوع التوافق، وما يدور في الأوساط حول مبادرة تزكيته شيخ عقل من قبل المجلس الذي انتخب أول من أمس، على ان تكون هذه الخطوة بمثابة رأب للصدع داخل الطائفة يعلق الغريب: «في كلمتنا التي ألقيتها في خلدة بعد تعييني، دعونا إلى التوافق وننتظر رده فعل ايجابية، ربما بدأ البحث في بعض التوصيات المؤدية إلى التوافق ولكن ما زلنا في بداية الطريقة، وأنا لا أساوم في هذا الموضوع على رأي المشايخ وأهل الدين، بل يكون ذلك بالتشاور والتوافق والرضا».
وتابع: «عندما يتم التعديل أن كان في القانون أو في المنحى الآخر من هذا المجلس، بخاصة بين رجال السياسة، لا نستطيع ان نستبق الأمور. أن أكثرية المشايخ في الهيئة الدينية كانوا ضد القانون لأنه يهمش دور المشايخ ومن اجل ذلك كانت المقاطعة في أكثرية المناطق».
ثلاث ثوابت
وحدد الشيخ الغريب ثوابته بثلاث: «رفض قانون المجلس المذهبي رفضا قاطعا، خصوصا انه مخالف لأحكام الطائفة الدرزية الروحية، ولم يراع ملاحظات مراجعنا الروحية. التمسك بأحكام الطائفة الدرزية الروحية وخطوات السلف الصالح في ما خص الأوقاف. دعم المقاومة الشريفة التي حافظت على كرامة لبنان خصوصاً والأمة عموماً، وللطائفة الدرزية دور كبير وتاريخي في تحرير هذه الأمة وصون كرامتها منذ 1200 سنة».
يشعر الشيخ الغريب «بأن المقاومة في لبنان، تتعرض لحملة ظالمة من قبل الكثير من أمراء الحرب». وعن رأيه بمقارنة الدكتور سمير جعجع بين معركة مارون الراس ومعركة عين الرمانة يتنهد الشيخ قائلاً: «الحرب اللبنانية من أساسها كانت عبثية ظالمة، ووسمت بالقتل والخطف والذبح على الهوية وإثارة النعرات، هذه الحرب سببتها إسرائيل في لبنان وما زالت تبث سمومها بين الناس والمذاهب والطوائف والأديان. لذلك حري بمن يتبجح بأمجاد الحرب ان يندم على فعلته، وان لا يتساوى بمن سطّر النصر وملاحم البطولة في الجنوب".
وحول علاقته المستقبلية مع الشيخ بهجت غيث يقول الغريب: «لقد أتى الشيخ بهجت غيث إلى هذا المنصب بطريقة معروفة، ومع احترامنا وتقديرنا لسماحته ولبيته الكريم، لكن حكم المجلس الدستوري هو الذي سيحدد وضعه وهذا المجلس ما زال معطلاً لأسباب سياسية ضيقة، لذلك علينا الانتظار إلى أن تتوضح الرؤية في هذا الأمر، وحسناً فعل حين قرر تعليق مهماته، وعدم تلقي المراجعات وتوقيع المعاملات».
وحول علاقته مع بقية المرجعيات الروحية في الطوائف الإسلامية والمسيحية، يؤكد الغريب «على احترامنا وتقديرنا لكل المرجعيات» رغم انه لم يلتق بأي منها طيلة حياته. يضيف: «العلاقة معها ستحكمها موقف هذه المرجعيات بالنسبة لتعيينا في هذا الموقع، فمن يزورني أزوره ومن يقف على رأي أقف على رأيه، وأنا اعتبر أن للعائلة الروحية اللبنانية دوراً استثنائياً يجب أن تلعبه خصوصاً في ظل أجواء التفرقة بين المذاهب والأديان».
العلاقة0 مع دروز سوريا وفلسطين
وحول العلاقة مع أبناء الطائفة المنتشرين في سوريا وفلسطين والأردن يقول الشيخ الغريب «لا يبعدنا باعد عن أهلنا في سوريا الشقيقة أو في فلسطين، ونتمنى أن تزول الغيمة المصطنعة وأن تعود الأمور إلى مجاريها». ويضيف: «نحن نريد التواصل مع أهلنا وإخواننا في فلسطين ولقد سمعنا في كل الأوقات والظروف، ولا نفرق بيننا وبينهم، لكن المقتضى السياسي والأمني يفرض وجوده في بعض الأوقات، وهم لا يستطيعون التواصل معنا لهذا نعذرهم ونعرف مدى شوقهم للتواصل ولزيارة المقامات الدينية في لبنان». وفي موضوع رفض التجنيد الإجباري يعلق الشيخ «من جهتنا لا نشجعهم على التجنيد في الجيش الإسرائيلي، وندعوهم إلى رفضه، وإذا كان الأمر إجبارياً فالمجبر لا مثاب ولا معاقب».
وحول رؤيته لمشاريع مستقبلية لاستفادة أبناء الطائفة من الوقف يعطي الشيخ مثالاً «المدرسة الداودية في عبيه التي يعود بناؤها الى عام 1862 وخرجت الآلاف من أعلام لبنان، وهي متوقفة عن العمل منذ ما زيد على ربع قرن، ومقفلة في وجه الجيل الشاب ومهملة، إننا نستطيع الاستفادة من هذا المبنى الكبير وتحويله إلى مركز علمي جامعي وتطويره ليفور على أبناء المنطقة عناء مشقات التنقل خصوصاً أهل الدين منهم، وهو لا يكلف الكثير من الأموال فالأموال مكدسة وموجودة، وتفي بالغرض، لكن المطلوب حسن الإدارة والتخطيط والتنظيم».
وحول علاقته مع النائب وليد جنبلاط يجيب الشيخ: «علاقتنا أكثر من عادية ونبادله ويبادلنا الاحترام، ونعترف بقدرته السياسية وبتاريخه النضالي، ونأمل أن نبقى وإياه في هذا الحقل من تاريخنا، ولا نشك يوماً في وطنيته ولو كانت الأحوال السياسية تتغير من يوم إلى آخر. نتأمل فيه خيراً وأن ينظر إلى مستقبل الوطن والطائفة بتبصر وروية وحسن تدبير».