غسّان سعود

تعاني وزارة الشؤون الاجتماعية شللاً تاماً، بعدما كبر الخلاف بين غالبية موظفي الوزارة والوزيرة نائلة معوض، على خلفية محاولات الوزيرة إلغاء المؤسسة لمصلحة فريقها الخاص، وإقصاء مئات الموظّفين عن القيام بدورهم الإنمائي والرقابي تسهيلاً لاستثمار سلطتها في خدمة شبكة المحسوبيات التي ترعاها
باستثناء بضعة موظفين، يُجمع فريق العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية على التذمّر من أداء وزيرة الشؤون الاجتماعية وسلوكها مع موظفي الوزارة قبل الحرب وخلالها وبعدها. ويستمر اعتكاف كثير من الموظفين في مكاتبهم بعدما خاب أملهم من التوصل إلى تسوية مع الوزيرة، بحسب أقوالهم. وتكشف إحدى كبيرات الموظّفات أنّ موازنة الوزارة انخفضت من 14 ملياراً إلى 4 مليارات من دون أي اعتراض من الوزيرة التي راحت تقتطع الأموال من موازنة المراكز الإنمائية التابعة للوزارة، لمصلحة جمعيات أهلية ومدارس وأندية خاصّة تنتمي بمعظمها إلى منطقة واحدة، هي الدائرة الانتخابية للسيّدة الوزيرة (راجع الجدول الرقم2).
وتُقدّم هذه الأموال للجمعيات من دون استشارة «مراكز الخدمات الإنمائية»، فتستمر الوزارة في تمويل جمعيات فُضِح سوء سلوكها مع المواطنين. ففي إحداها، أقدم مواطن على الانتحار، وفي أخرى قُدّمت الأدلّة على سوء معاملة الكبار في السن، من دون أن تُقدم الوزارة على إعادة النظر في صرف الأموال. يُذكر أن المادة السابعة والعشرين من «تنظيم وزارة الشؤون الاجتماعية وتحديد ملاكها» تنص على أن دائرة الرعاية الاجتماعية في الوزارة تتولى مهمات اقتراح نظام خاص للرعاية الاجتماعية يحدد المواصفات والشروط الواجب توافرها لدى المستخدمين من الرعاية الاجتماعية.

ووفقًا لأحد كبار الموظفين، كان هناك سببان رئيسان لتغييب الوزارة خلال العدوان الإسرائيلي. الأوّل أن الوزارة محسوبة على الطائفة الشيعية، والثاني أن ثمة قراراً بتقديم أقل قدر ممكن من المساعدة للنازحين بهدف تقليبهم على حزب الله.
الجدير بالذكر أنّ التنظيم الإداري للوزارة ينص في البند العاشر من المادة الثانية على تولّي الوزارة «الاهتمام بالحالات الطارئة التي تستوجب الإسعاف الاجتماعي والإغاثة». أما البند التاسع فينص على «رصد التحركات السكانية وأسبابها وتنظيم جهود الدولة والتنسيق مع القطاع الأهلي في هذا المضمار». إلا أن الوزيرة نائلة معوض أبلغت موظفيها أن دور الوزارة يقتصر على التنسيق بين الهيئة العليا للإغاثة ومراكز النازحين. وسرعان ما طلبت السلطة السياسية من مندوبي الوزارة الثلاثة في هيئة الإغاثة، تسليم ملفاتهم إلى القوى الأمنية ومغادرة السرايا الحكومية، وذلك خلافاً للقانون.

ولم تُجب الوزيرة نائلة معوض عن اتصالات مندوبيها لإيضاح القرار التعسفي في حقهم. واستمرّ منع موظّفيها من أداء أي دور على صعيد الإغاثة، ثم كلفوا بالاهتمام بالجانب الصحي من دون إعطائهم أدوية، ومنعوا من قبول الهبات. وتقول إحدى الموظفات إن إبعادهم كان خطوة ضرورية لتحويل الوزارة إلى ساعي بريد بين مؤسسات الدولة والحزب التقدمي الاشتراكي. وكشفت أن المواد الغذائية كانت تُحمل من المخازن، وتنطلق العربات، لكن سرعان ما تنحرف عن اتجاهها لإفراغ البضائع في مكان آخر.
وغالباً ما تجيب الوزيرة بأن سبب إقصاء الموظفين يعود إلى عدم كفاءتهم، الأمر الذي تعتبره إحدى كبيرات الموظفات، حجة تدفع إلى الأمام رغبة الحكومة اللبنانية في تمرير مشروع التعاقد الوظيفي، وخصوصاً أن جميع موظفي الوزارة معيّنون عبر مركز الخدمة المدنية. وأشارت إلى أن الوزارة وزّعت استمارات على النازحين، طبع منها تسعون ألف نسخة ولم تجمع وتفرز حتى اليوم!
يُذكر أن جميع موظفي الوزارة، باستثناء قرابة ستة موظفين، اعتكفوا طوال الحرب في مكاتبهم، احتجاجاً على قرارات الوزيرة، وسيطرة المستشارين على عمل الوزارة، وإقصاء المدير العام بالإنابة، ومحاولة أحد المستشارين إثارة الخلافات بين الموظفين.
وعلى صعيد آخر، تدير الوزارة عدة مشاريع إنمائية بالتعاون مع مختلف أنواع الجمعيات. وثمة موازنة سنوية مخصصة لهذه المشاريع التي ينتظرها آلاف المواطنين في مختلف المناطق اللبنانية. لكن الوزيرة استفردت بالقرار مرة أخرى، على رغم اعتراض عشرات الموظفين. فوقّعت على مشاريع لم تقترحها الوحدات الإدارية المختصة، كما تقتضي الأصول الإدارية. وأصدرت قرارات في 26 تموز و1 آب من دون معرفة الوحدات الإدارية. ووزعت المشاريع بطريقة مخالفة لمبدأ الإنماء المتوازن. وعلى رغم العدوان العنيف الذي كان يستهدف مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، حصل البقاع الأوسط على مشروع واحد، فيما لم يحظَ البقاع الشمالي بأي مشروع. وصُرفت، مثلاً، لمناطق الجنوب والنبطية التي كانت تتعرض لتدمير شامل مئتا مليون ليرة لبنانية (بينها ستّون مليوناً لقرى شيعية)، فيما حظي قضاء زغرتا بقرابة خمسمئة مليون ليرة.
وقالت إحدى الموظفات إن مشاريع التنمية توزع اليوم من قبل الوزيرة على أزلامها وحلفائها من دون الالتزام بالمعايير والشروط، على رغم أن المادة الثانية والثلاثين من مرسوم «تنظيم وزارة الشؤون الاجتماعية وتحديد ملاكها» تنص على تولي «دائرة الجمعيات والمنظمات التطوعية» مهمات «تنظيم ملف خاص لكل جمعية أو هيئة اجتماعية مرخصة تعمل في الحقل الاجتماعي ومراقبة أعمالها». ويثير عدم التزام معيار واضح للتعاقد مع الجمعيات كلاماً كثيراً. وأبرز أحد الموظفين وثيقة تشير إلى عقد تعاقد باسم الوزارة، وقّعته الوزيرة أخيراً مع ابنة أختها، رئيسة جمعية «المساعدات الاجتماعية في زغرتا».
وثمة دوائر إدارية تتقاضى مبالغ كبيرة من موازنة الوزارة، ولا تقوم إلا بجزء هامشي من واجباتها، مثل دائرة التخطيط والبرامج، ودائرة الإحصاء والمعلوماتية، التي يفترض بها «إجراء مسح شامل للحاجات الاجتماعية والاقتصادية... ووضع التقرير السنوي عن نشاطات وإنجازات الوزارة في جميع الحقول». وكذلك دائرة السكان التي تتولى مهمة «رصد التحركات السكانية والتغييرات الديموغرافية من نزوح وهــــجرة ووقوعات من ولادات ووفيَات وزواج وطلاق وغيرها».
وفي المقابل، يشكو عدد كبير من رؤساء المراكز الإنمائية في المناطق من انخفاض أجرهم، على رغم دورهم الكبير في مناطقهم، وغياب عنصر التحفيز، وإقصائهم عن مكافآت رأس السنة. ويشيرون إلى أن توزيع المكافآت في الوزارة استنسابي، وبحسب درجة القربى من الوزيرة.
وعلّق أحد كبار الموظفين على حالة الوزارة بالقول إن المشكلة الإدارية في وزارة الشؤون تشكل نموذجاً لكل الأجهزة الإدارية في المؤسسات الرسمية، حيث تعمد «قوى الأكثرية النيابية» إلى إنشاء أجهزة موازية للأجهزة الإدارية القانونية، رغبة مـــــــنها في الاستــــــئثار الكامل بالـــــسلطة.
وإذا كان لبنان قد اعتاد سلوكاً كهذا من قبل ساسته، فإنّ الوضع بعد العدوان الأخير لا يحتمل الاستمرار في مثل هذه السياسات، وخصوصاً أنّ القيّمين عليها لا يكفّون عن ترداد لازمة «بناء الدولة».


التنظيم الإداري
بعد انتهاء الحرب الأخيرة، وتفجّر الخلافات داخل وزارة الشؤون الاجتماعية، كان يُفترض بالقيّمين على الوزارة الالتفات إلى البند الخامس من تنظيمها الإداري الذي يلزم الوزارة بـ«معالجة النتائج الاجتماعية للحرب بما فيها الرعاية الاجتماعية لذوي الضحايا والجرحى والمعوقين» (البند الثالث). وكذلك «رعاية شؤون الأيتام والاهتمام بشؤون دور الأيتام» (البند السادس)، و«تقديم الرعاية الاجتماعية لأسر شهداء الاعتداءات الإسرائيلية والمعتقلين في سجون العدو» (المادة 14).
لكن الوزيرة حافظت على «سياسة اللامبالاة». وعلى سبيل المثال، لم تدرس الوزارة المشاريع المقدّمة لإقامة مخيمات تطوعية في الجنوب، علماً أنّها الوزارة المعنية الأولى بالعمل التطوعي. وما زالت غائبة عن الساحات رغم جهوزية آلاف الشباب وحماستهم للتطوّع.