ابراهيم الأمين
لم يتأخر النائب سعد الحريري في الانضمام إلى حليفيه وليد جنبلاط وسمير جعجع في الحملة على حزب الله. لم يكن هناك حاجة لأن يسمي الحزب أو زعيمه السيد حسن نصر الله. لكن لا حاجة لتوهم أن هناك أرضية لتوافق سياسي قريب. بل على العكس، إن إعلان الحريري الدفاع عن الحكومة ورفض تغييرها بطرق غير دستورية، يعني فتح المواجهة على أشدها مع المعارضة. وإذا كان خطابه المكتوب يمنعه من الارتجال الذي يدفع إلى أخطاء غير محسوبة، فإن كل كلامه يقود إلى مغامرة غير محسوبة. وهي التي تتلخص بقرار بات مركزياً عند فريق الأكثرية الحاكمة بأنها لن تتخلى عن الحكومة الحالية ولا عن مشاريعها للهيمنة على كل مؤسسات الدولة. ولفهم الأمر على حقيقته يجب تتبع الخيط الرابط لمواقف الأكثرية عشية الحرب وخلالها وما تلاها من انقلابات كان البارز فيها ما أقدم عليه وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت في الملف الأمني ثم العمل بقوة على استهداف الجسم القضائي تحت عنوان “تطهيره من فلول الوصاية”.
(بالمناسبة، من قال إنه يريد تغيير الحكومة بخلاف ما ينص عليه الدستور، إلا إذا كانت الديموقراطية الجديدة تفترض أنه يمنع اللجوء إلى الوسائل الدستورية مثل الشارع والاستقالة والاعتصامات الشعبية).
باختصار، أعلن الحريري أمس الحرب على الأقلية، ودعاها ضمناً إلى الاختيار بين أمرين: إما الاستمرار بالواقع الحالي للسلطة، أو الخروج منها. وهذا يعني رفضه أي حل للمشكلة القائمة، باعتبار أنه لا يرى المشكلة، ويرى أن كل كلام انتقادي على أداء الأكثرية وعلى الحكومة هو بمثابة موقف غير لبناني ويترجم ما يقوله السوريون.
ماذا سيكون الموقف من الجانب الآخر؟
بداية تبدو الصورة واضحة حتى ما قبل كلام الحريري. والمعارضون لبقاء هذه الحكومة لاحظوا تمسك فريق الأكثرية بسياساتها من خلال التصرف الذي حصل في ملف الأمن العام والتسويات التي تعطلت بفعل قرار الأكثرية عدم القبول بما تراه تنازلاً أمام الآخرين. كذلك في نوعية المعالجة القائمة لملف القمة الفرنكوفونية والتشكيلات القضائية والتشكيلات الديبلوماسية وأمور إدارية كثيرة، بينها أيضاً ملف إعادة إعمار ما هدمته الحرب الإسرائيلية على لبنان. كل هذه الأمور تشير إلى أمر واحد، هو أن الأكثرية الحاكمة لا تنظر بقلق إلى ما يقوله المعارضون، وتتصرف على أساس أنها “تحظى بدعم هو الأقوى لها من جانب الولايات المتحدة وفرنسا وبعض الدول العربية، وهو ما يتيح لها العمل براحة من دون التوقف عند احتجاجات الآخرين”.
وأكثر من ذلك، فإن خطاب الحريري يعكس قراءة معنية لما حصل من تطورات أخيراً، فهو يرفض أولاً فكرة أن لبنان انتصر في الحرب. وهو يقيس الأمور على طريقة رفاقه لناحية القول بأن لبنان دفع ثمناً كبيراً يجعله في موقع المكسور. ثم إنه مقتنع بأن المقاومة باتت أمام مشكلة، حتى إن مقربين منه أصروا على القول إن الاحتفال الأخير للمقاومة الجمعة الماضية ضم عشرات الألوف من السوريين، وإن هناك انفكاكاً قائماً بين الشيعة. ثم يعبِّر هذا الفريق عن اقتناعه بأن الحشد الذي ظهر في احتفال “القوات اللبنانية” إنما هو حشد عام يمثل الوجهة الغالبة عند المسيحيين. ويتصرف هؤلاء على أساس أن سمير جعجع بات هو الناطق باسم المسيحيين، وأن العماد ميشال عون وتياره باتا في موقع ضعيف. ثم أعرب هؤلاء عن اقتناعهم بأنه لا يمكن للمعارضين القيام بأي أمر من شأنه إلزام الأكثرية الحاكمة بالتنازل.
وسط هذه القراءة تبدو الصورة أكثر سوداوية مما كان الكثيرون يفترضون. والشروط التي وضعها سعد الحريري يمكن تلخيصها بأنه يدعو معارضيه إلى الاستسلام، وهو شرط حاسم لأي حوار مع الآخرين. وهذا أمر لن يقبل به الأطراف الثلاثة الأقوى في المعادلة الحالية وهم: الرئيس نبيه بري وحزب الله والتيار الوطني الحر، إلى جانب كل الآخرين من خصوم الأكثرية الحاكمة والمنتشرين في كل الطوائف وكل المناطق، وهو ما يقود حتماً إلى مواجهة قد لا تكون سريعة، ولكنها آتية لا محالة، إلا إذا هبط الوحي الأميركي ــ الفرنسي ــ السعودي على الثلاثي المرح (جنبلاط والحريري وجعجع) وغادروا الموقع “المتعالي وغير المنطقي” الذي يسكنون فيه حتى الآن. علماً بأن المحرك الأساسي لهذا التحالف، أي جنبلاط، لفت انتباه بعض زواره إلى أنه مستعد للحوار بشرط أن يتوقف حزب الله عن إعلان تحالفه مع سوريا، وبشرط أن يتخلى العماد ميشال عون عن رئاسة الجمهورية، وهو الأمر الذي يشبه شرط سعد لناحية أن بقاء الحكومة أمر لا نقاش حوله، ذاهباً نحو جدول أعمال مختلف يقوم أساساً على ملف المقاومة وسلاحها من جهة، وعلى ملف الإمساك بالمؤسسات الأمنية والإدارية والقضائية من جهة ثانية.
لذلك، إن القرار المركزي الذي اتخذه حزب الله والتيار الوطني الحر بالعمل على تغيير الحكومة الحالية، بكل الوسائل، صار في دائرة النقاش العملاني، وإن قراءة أقطاب من هذين الفريقين بين سطور سعد تشير إلى أنه يتهيب المواجهة رغم ارتفاع سقف كلامه. لكن المعركة القاسية قد يتم تقديمها، وذلك يظل رهن الإشارة الأولى المفترض صدورها عن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بشأن ملف الأمن العام من جهة، وملف الإعمار من جهة ثانية. والغريب في الشق الثاني أن فريق الأكثرية يصر على أخذ نصف الأموال المخصصة لإعادة إعمار ما هدمته الحرب لأجل إنفاقها ضمن “الإنفاق السياسي الانتخابي” من خلال ملف المهجرين الذي لن يقفل، أو المساعدات المباشرة أو حتى توفير أموال لسداد فوائد الدين العام، وهي التي تذهب عادة إلى خمسة بالمئة من المودعين، وهذه الفئة تخص أرباب الطبقة السياسية، ولا سيما اقطاب فريق الأكثرية.
الأمر الأخير يتعلق بتطوير المناقشات بين قوى المعارضة بشأن برنامج عمل المرحلة المقبلة ولا سيما أن التنسيق سوف يشمل نواحي عدة، من بينها كيفية مواجهة ضغوط الأكثرية في المجالين الإنمائي والإداري، كما يشمل إعلان التحرك السياسي والشعبي، علماً بأن سعد أعطى إشارة خطيرة عندما قال إن تيار “المستقبل” وجمهور رفيق الحريري وأهل بيروت (الطائفة السنية) هم إلى جانب الحكومة ورئيسها، وبالتالي إلى جانب ما اعلنه هو.
عود على بدء، والخلاصة السريعة مفادها: إما العودة سريعاً إلى الحوار، وإما الذهاب مباشرة نحو الشارع!