المحرر الدبلوماسي
يخفي المناخ الهادئ الذي يلف قصر بسترس الرزين أجواء متناقضة من التوتر والإحباط. وربما عاد السبب في ذلك إلى طبيعة المرحلة الانتقالية التي تمر فيها الديبلوماسية اللبنانية، إذ تواجه سلسلة من المعارك الدولية المهمة منذ الانسحاب السوري من لبنان، والذي سحب معه “وحدة السياسة الخارجية” المنبثقة من وحدة المسارين.
هذا الانتقال الطبيعي، كما يراه أحد الديبلوماسيين، لا يشكل مشكلة في حد ذاته، بل هو أمر منتظر بسبب مجمل التطورات الداخلية والإقليمية. لكن المشكلة تكمن في أن وزارة الخارجية مهمشة في سياق هذه العملية، تماماً كما كانت مهمشة إبان عهد “تلازم المسارين”، ويسود شعور بأن السرايا الكبيرة تولت هي الأمور من تلقاء نفسها، إلى حد أن الرئيس فؤاد السنيورة جعل الوزير طارق متري وزيراً للخارجية (من دون احترام لموقع الوزير فوزي صلوخ ودوره)، وهو يكلفه مهمات معلنة، وأخرى غير معلنة، تعكس رغبة السنيورة بإبعاد صلوخ عن دائرة القرار من جهة، وبانتظار “استيلاء” فريق الأكثرية على وزارة الخارجية تماماً.
خلال العدوان، تعمدت دوائر القرار الموازية في الخارجية عدم تفعيل السفارات، واكتفت بتعميم مقتضب جاء فيه “أنه يمكن الاستئناس، أثناء الاتصالات (التي لم يطلب إلى السفراء القيام بها) بمضمون البيانات الصادرة عن الحكومة. ويومها رفض الأمين العام للوزارة بالوكالة السفير بطرس عساكر أن يطلب من السفراء القيام بحملات إعلامية للرد على التبريرات الإسرائيلية، ولتحصين موقف لبنان وكسب التأييد له والتضامن مع شعبه. لا بل إن السفراء أنفسهم ظهروا منقسمين تماماً كما هي حال البلاد. والكل يقرأ بتوتر تجربة السفير في واشنطن فريد عبود الذي عوقب وسحب إلى بيروت لمجرد أنه أطل إعلامياً مدافعاً عن المقاومة، وهو قال ما ورد فقط في البيان الوزاري للحكومة.
أما ما سمي يومها “خلية الأزمة” فهي انتهت إلى عملية إبلاغ السفارات بتقارير مفصّلة عن الاعتداءات الإسرائيلية، بالإضافة إلى التعليمات الخاصة بتسهيل أمور اللبنانيين العالقين في الخارج لجهة تسريع عمليات تجديد جوازاتهم أو تنظيم معاملاتهم. لكن أحداً من السفراء في الخارج لم يظهر اهتماماً خاصاً، وهذا ما انعكس بوضوح في الرد البارد والجاف للسفير نهاد محمود (كان موجوداً في الأمم المتحدة طوال فترة العدوان) على كلام المندوب الإسرائيلي في مجلس الأمن، إذ لم يظهر على السفير محمود ما يشير إلى أن بلاده تتعرض للعدوان وشعبه يتعرض لمجازر يومية (كرر ديبلوماسيون مراراً كلاماً منسوباً لمحمود أمام ديبلوماسيين أجانب في مجلس الأمن يرى فيه أن حزب الله لم يكن قبل العام 2000 منظمة إرهابية)، وهو أمر يرده الديبلوماسيون المتابعون إلى أن محمود كان يتلقى تعليمات من مكتب رئيس الحكومة الذي كان يبرر تجاوزه لوزارة الخارجية بأنه يجري تفاهمات مع الرئيس نبيه بري تتيح له عدم العودة الإلزامية إلى الوزير صلوخ، وهو ما جعل السياسة الخارجية بيد الثلاثي محمد شطح ورضوان السيد ونواف سلام من فريق الرئيس السنيورة، ومحور هذه السياسات كان “خلق الظروف الملائمة كي يتحول سلاح المقاومة إلى عبء على حزب الله، ما يخلق عنده مصلحة في التخلص منه”. ويعتقد عدد من الديبلوماسيين أن هذا الوضع وهذه السياسات مسؤولة عن إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه الآن.