نادر فوز
قدّم رئيس كتلة اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط طلباً جديداً لتخصيص مبلغ أربعمئة مليون دولار أميركي لدفع التعويضات اللازمة لأصحاب الحقوق وإعادة مهجّري الجبل إلى بلداتهم، بعدما عادت قضية المهجرين إلى الواجهة إثر العدوان الإسرائيلي ونزوح مئات آلاف اللبنانيين من قراهم.
ووسط انهماك عدد من أقطاب «الأكثرية النيابية» الحاكمة في المطالبة بمساواة مهجّري «حرب الجبل» بالنازحين، أعلن التيار الوطني الحر عن عقد مؤتمر «عودة الحق» غداً، «بهدف تحريك ملف المهجّرين على أمل أنّ يقفل نهائياً وجدياً».
والمؤتمر الذي تحوّل إلى موعد لكشف «أدوات النصب» في مؤسّسات الدولة، كما قال التيار أخيراً، لن يكون مجرّد مناسبة خطابية، بل إعلان بدء خطة لمعالجة الملف، وإقفاله عملياً يحفظ العدالة للجميع، بحسب قول المسؤول عن ملف المهجرين في التيار الوطني الحر المهندس سيزار ابو خليل.
ورأى أبو خليل أن «متابعة القضية من العونيين لا تنطلق من المردود السياسي، بل من مقاربة إنسانية حقوقية بحتة تتعلّق بوضع حدّ لمآسي أهال أبعدوا عن قراهم منذ أكثر من عشرين عاماً».
وسيستضيف المعهد الأنطوني ــ بعبدا، عند الساعة الخامسة من بعد ظهر غد، نواب تكتل التغيير والإصلاح ومرشحيه في جبل لبنان الجنوبي الذين نالوا، بحسب ابو خليل 75 بالمئة من أصوات المسيحيين، إضافة إلى الأمير طلال أرسلان وممثلين عن تيارات سياسية صديقة ورؤساء بلديات الجبل وقراه ومخاتيرها وشخصيات مهتمة بـ«ملف العودة». كما سيحضر أيضاً عدد كبير من مهجّري الجبل الذين سيعرضون مآسي تهجيرهم عبر صور وشهادات ووثائق. ووجّهت دعوات محددة للتمكن من حصر الموضوع وتقديم كل البراهين اللازمة.
وسيرأس المؤتمر النائب العماد ميشال عون الذي أثار قضية المهجرين في الكلمة الأولى التي ألقاها في مجلس النواب يوم 28 يموز 2005 بعد انتهاء الانتخابات النيابية، خلافاً لعادة النواب الذين يستغلّون الملف قبل الانتخابات ويضعونه طي النسيان بعدها. ومن هذه النقطة ينطلق سيزار ابو خليل مجدداً ليؤكد أنّ المؤتمر لا يرتبط بمسألة مهجري الضاحية والجنوب عقب العدوان الإسرائيلي الأخير. فقد بدأ العمل على إعداده منذ عدة أشهر بمطالبة من أهالي الجبل وأنصار «التيار».
ويطرح المؤتمر قضية تسعة وثلاثين ألف عائلة من القرى الجبلية التي لم يعد إليها أكثر من 17% من أبنائها المسيحيين، وفقاً للدراسات التي ستُعرَض في المؤتمر. وتراوح النسبة المتوسّطة للعودة إلى القرى «الجبليّة» بين 5% و30 % بحسب أبو خليل، الذي أشار إلى أنّ نسبة المهجرين العائدين في شرق صيدا بلغت نحو 50 %. ويتساءل «هل من قرار سياسي لاستمرار إبعاد هؤلاء؟».
وسيعرض المؤتمر وثائق ودراسات تنشر للمرة الأولى، وقضايا وأرقاماً وإحصاءات تدلّ على حجم الأضرار التي لحقت بالمهجّرين جرّاء إبعاد طاولهم منذ أكثر من 22 عاماً، إضافة إلى قضية القرى الخمس (بريح، عبيه، كفر متى، عين درافين وكفر سلوان)، التي لم تجرِ «المصالحة» فيها بعد.
ويسأل المحامي فادي حدّاد، وهو من المسؤولين عن الملف في التيار الوطني الحر، عن معنى المصالحة الوطنية ومصالحة الجبل التاريخية ما دام المهجّرون لم يعودوا الى منازلهم. ويرى حداد أنّ الحكومة تخطّت المهلة اللازمة لبدء العمل الجدي ولتنفيذ وعودها، التي بقيت كلاماً من دون أية خطة جدية لإقفال الملف وإعادة الحقوق إلى أصحابها. ويشير إلى أنّ البيان الوزاري نصّ في فصله السادس على ضرورة العمل الجدي لإقفال ملف المهجرين نهائياً. لكن الشهور مرت، ولم يُقدم مسؤولو الوزارة على أية خطوة في هذا السياق. كما يبدي حدّاد مفاجأته من سماع وزراء يطالبون بإعادة المهجّرين إلى قراهم، لأنّ «الحكومة عادةً لا تطالب بل تتّخذ قراراً، بينما على المعارضة أن تطالب».
الجدير بالذكر أنّ لجنة متابعة ستنبثق عن المؤتمر للعمل على استكمال التوصيات والمطالب والأهداف التي سيجري تحديدها، خصوصاً أنّ وزارة المهجّرين استثنائية، وهي لم تُنشأ لتبقى مدى العمر.



كلمة عون
في جلسة مجلس النوّاب الأولى، في 28 تموز 2005، أثار العماد عون قضية المهجرين، وقال:
«حسب معلوماتي، منذ تأسيس وزارة المهجرين، 17 في المئة منهم فقط عادوا الى قراهم، وهذا العدد لا يقتصر على مهجري الجبل فقط بل يشمل ايضاً مهجري الساحل في الضاحية، وهناك مهجرون لا يتكلم عنهم أحد. لذا، عندما يثار هذا الموضوع، نرجو ذكر مهجري المناطق كلها الذين تعرضوا للتهجير، وقد وصلتنا شكاوى كثيرة في هذا المجال وسوف اسردها لا على سبيل الاتهام، بل لأننا نتكلم عن الشفافية والمساءلة، ويمكن ان تفتح لجنة برلمانية قضائية مشتركة تحقيقاً في الامر لسبب واحد، هو تبرئة الابرياء».
وأضاف عون: «نحن لا نريد أن تساورنا شكوك تجاه أيّ شخص مارس المسؤولية في وزارة المهجرين، والمسؤول عن الهدر والصرف غير الشرعي وتجاوز الصلاحية يجب أن يعاقب ليكون ذلك رادعاً للذين سوف يحلّون مكانه في تحمل المسؤولية».
وسرد عون ما جاء في البيان الحكومي عن الموضوع: «استكمالاً لبند جوهري من بنود الوفاق الوطني، ستعمل الحكومة بسرعة وجدية على اقفال تام وكامل لملف المهجرين»، مشيراً إلى أنّ هذه المشكلة «وردت في سطر وثلث السطر، علماً بأننا نعاني جراءها منذ 15 عاماً، ولم يحل منها سوى 17 في المئة. لا اعرف اذا كان المال مفقوداً، لكننا نود أن نعرف ما هي الخطة العملية، وبالتالي على وزارة المهجرين ان تبين لنا خطتها لاستكمال هذا البند، لأننا لا نقبل نظرياً بهذا الكلام، فنأخذه كأنه حقيقة مستقبلية اصبحت واقعية».
كان واضحاً من خطاب الجنرال عون الأول في المجلس النيابي أنّ قضية المهجرين تحظى باهتمام التيار الوطني الحر. ويبدو اليوم أنّ المهلة العونية المعطاة للحكومة قد انقضت من دون أن تسفر عن أية نتيجة. فقرّر "التيّار" إثارة الملف. الخطوة الأولى، غدًا، في «عودة الحق». فهل ستكون نقطة انطلاق جديّة لحل القضية؟
عون معارض، تحقّ له المطالبة. أما الآخرون فيشاركون في السلطة، ولا يستطيعون المطالبة. إما أن ينفّذوا واجبهم أو يستقيلوا!