صور ــ علي ضاحي
إسراء (3 سنوات) لن تُسرّح شعر لعبتها بعد الآن. وحيدر (13 عاماً) لن يلتحق برفاقه في المخيم الكشفي. وزهراء (16 عاماً) لن تشتري بعد شهر كتب الصف الثانوي الأول. ووالدتهم نجمة لن تحضّر لهم فطور الصباح.
إسراء وحيدر وزهراء وأمهم أرادوا الحياة، وأرادوا أن يقوموا بما اعتادوه. لكن الطائرات الصهيونية ختمت حياتهم بالشمع الأحمر، ليرووا تراب بلدة معروب بدمائهم.
لم يكن خليل علي موسى (41 عاماً) من قرية بليدا الجنوبية، والذي يعمل حارساً لمدرسة ومبرّة الإمام علي في معروب، يعلم بأن الاثنين في السابع من آب هو يوم الفراق المرّ لزوجته نجمة محمود حسن (34 عاماً) من بلدة عيناتا وأطفاله الثلاثة. لم يكن يعلم أن مغادرته ملجأ المبرّة قبل خمس دقائق من الغارات، ليستحم في المنزل المجاور، هي السبيل لنجاته، وأنه سيكون شاهداً على همجية عدو لا يفتك إلاّ بالنساء والأطفال.
يقول موسى: «كانت الطائرات الحربية تحوم فوق المبنى (ملجأ الأيتام) منذ الصباح الباكر، وأحسست بأنها تضمر لنا شراً، فقلت لزوجتي: أنزلي الأولاد الى الملجأ، وأنا ذاهب للاستحمام. دخلتُ المنزل الذي يبعد خمسين متراً. وما هي إلاّ دقائق خمس، حتى دوّى صوت انفجارين قويين تطاير بعدهما الزجاج والبلاط والركام. حاولتُ الخروج، وإذا بغارتين أُخريين وأربعة صواريخ تنهمر دفعة واحدة على المبنى لتغطي ألسنة النار والدخان الأسود الكثيف المكان وتحجب الرؤية».
يضيف: «خرجتُ بعدما غاردت الطائرات منادياً زوجتي وأولادي بأسمائهم مرات عدة ولم أسمع جواباً. ولما يئست من سماع الجواب، لجأت الى غرفة الاستعلامات المشرفة على الطريق العام، علّني أجد من يقلّني الى صور لطلب النجدة، بقيتُ على هذه الحال حتى المساء. عندذاك، صلّيت وقرأت القرآن والدعاء وخلدت الى النوم.
وفي اليوم التالي، (الثلاثاء) عند التاسعة صباحاً، نزلتُ بسيارة كانت تمر من أمام المبرّة الى صور لطلب النجدة على أمل أن نجدهم أحياء. عدت في اليوم التالي بمواكبة الصليب الأحمر الدولي واللبناني والدفاع المدني. وبعد الكشف على المبنى، تأكدنا أن ملجأه قد دمّر بالكامل، فأيقنت عندئذ أنهم استشهدوا».
ويختم موسى بأنه «يحتسبهم عند الله شهداء على طريق المقاومة والنصر والحرية». وفي حين كانت جرافات بلدية معروب تعمل على انتشال الجثث الأربع المحترقة والمقطعة الأوصال من تحت الأنقاض، كان الوالد الصابر يتقبل العزاء، فيما رائحة الموت تعبق بالمكان.
بقي من المبنى ركام وتراب، وكذلك لعبة إسراء وقرآن زهراء وقميص حيدر.