زغرتا- فيرا يمّين
وصلوا بلهفة من يسأل عن بيت، ويغادرون بلهفة رؤية الارض، ولو من غير بيت. من زغرتا ــ الزاوية يغادرون كمن ينتقل من بيته الى بيته، ومن أرض احتضنته الى الارض التي ربّته. شهر من وجع، وموت، ودمار، وايمان قد مرّ، لكنه أسّس علاقات في الوطن، كان الوطن بحاجة اليها.
بين المضيفين والضيوف بات هناك خبز وملح وماء ودموع. معظمهم غادر بالامس: نبيلة، وفاء، الهام، سناء. شكرن «ستنا مريم، ففي عيدها فرجت علينا، وقررنا مع إخوتنا في تيار المردة زيارة السيدة في عيدها لشكرها وهي مثلنا أمّ شهيد».
غرف المدارس ستفتقد تلاميذ الصيف الحار، وسيفتقد اللوح الاخضر رسوم الأولاد الجنوبيين وكتاباتهم.
تكميلية طوني فرنجية، وهي المركز الرئيسي الذي منه كانت تتوزّع المهام على مختلف مدارس المدينة والقضاء، خفّ النبض فيها وامتزج فرح العودة بحزن الوداع. «مبروك النصر» يقول شباب من «المردة»، فيرفض علي رميــــتي الـــتهــــنئة لأنه يرى «أن النصر مشترك».
في المعهد الفني العالي، رزقت السيدة خديجة الشقراني طفلة سمّتها جيهان تيمّناً بشقيقة رئيس تيّار «المردة»، فيما سمّت السيدة زينب طفلتها سليمى.
وفي مدرسة التكميلية الــــثانية للبنات، تدمع المديرة مهى عوض دويهي وتقول: «أحببناهم وسنفتقدهم».
أما حسن سرحان وزوجته أميرة شعيب فغادرا صباحاً، وقبل الرحيل شكرا التيار على طريقتهما: «قالب حلوى». وأميرة تنتظر مولودها البكر في شباط المقبل، وأصرّت أسمهان على أن تأخذ رقمها لتتواصل معها «لأن أميرة وضعها دقيق»، تقول أسمهان بتأثر.
لاميتا تسجّل عناوين: «قانا، الزرارية، الغازية، زبقين، صريفا، بنت جبيل...». خريطة لقرى وبلدات «بات لنا فيها أهل وأحباء». وليندا تؤكد أنها ستحتفظ بكل الاستمارات الطبية: «ربما اضطر أحد لمراجعتها». جورجيت جفّ حبر قلمها وهي تسجّل أسماء وأسماء من قرى وبلدات من البقاع والجنوب. أما في مستودع المؤن حيث النظام الدقيق والصارم، فقد حلّ هدوء يشبه استراحة المحارب.
وفي المطبخ المركزي في المهنية، انخفضت «الطلبية». وفي الرواق الصغير، يبكي جاد لأنّه لا يريد أن يغادر زغرتا، فهو يحبّها. أم مسلّم وصديقاتها اكتشفن مزيارة «وهي بلدة نموذجية»، أما حسين وإخوته فإنهم يغادرون رشعين، ومياهها، وفي القلب غصّة، وغلاديس تودّعهم دامعة.
وفي أرده، احتفل النازحون مع أهل البلدة «المضيافة» بالنصر. وفي الفوار وعلما، تعانقوا مطوّلاً، وعبّر رئيس بلدية الفوار ناجي العويك عن فرحته بعودة أهل الدار الى دارهم، وهم منتصرون، «ولكن صرنا اصحاباً وأهلاً وسنتواصل دائماً». وفي كفرزينا، وكرمسدة، وسبعل، وكل قرى وبلدات القضاء، تبادل الجميع العناوين، وأكثر ما ستفتقد له أم احمد الموسوي «كبة الست أولغا»، «فالكبة الزغرتاوية ذهب الأكل».
وأكّد بعض من سكن أو استأجر شققاً في اهدن «أن اهدن باتت مصيفنا، وأهلها أهلنا، فهذه المدينة لا تنام وتليق بها الحياة».
أمّا سؤال: «ما العمل اذا وجدتم بيتكم مهدّماً؟»، فجوابه: «نفترش الأرض، ونبدأ الورشة، والسيد وعد، وإن وعد وفى».
بالأمس نازحون واليوم عائدون. «ولكن المهم أنهم، وأننا بهم، ومعهم، منتصرون».