بسام القنطار
تظهر آليات التعاطي الرسمي والأهلي مع الكوارث البيئية التي يعاني منها لبنان جرّاء العدوان الإسرائيلي، على مدى 34 يوماً، مجموعة من النواقص والثغر تؤشّر في حال تفاقمها إلى المزيد من النتائج السلبية على كافة المستويات.
التخبط الرسمي واضح للعيان، وهذا ليس بجديد. ففي التقرير الوطني عن حال التنوع البيولوجي في لبنان وعن التقدم البارز في تطبيق اتفاقية التنوع البيولوجي، تعترف السلطة اللبنانية بأنها لا تمتلك آليات وطنية للاستجابة لحالات الطوارئ لأنشطة أو أحداث تنطوي على خطر كبير أو داهم للتنوع البيولوجي. ولتعويض هذا النقص أنشأت الحكومة اللبنانية هيئة وطنية مؤلفة من ممثلي وزارات: الدفاع، البيئة، النقل، الداخلية والدفاع المدني، وذلك بهدف مكافحة تلوث البحر الأبيض المتوسط من الزيوتالهيئة المذكورة لم تجتمع حتى اليوم، وتشير المعلومات الخاصة بـ«الأخبار» أن تعطيلها ليس صدفة. أما وزارة البيئة التي وعدت بخطة وطنية طارئة فاقتصر عملها حتى الآن على تقديم طلبات المساعدة إلى دول ومؤسسات، وإلى مراكز أبحاث وهيئات أهلية وطنية وعالمية. ويبدو أن وزارة البيئة التي طرحت شعار «البحر بحاجة لصوتك... فارفعه عالياً»، سعت لأن تكون المواطن الصالح الأول الذي يطبقه، فاكتفت برفع الصوت وطلب النجدة. أما لجنة البيئة النيابية، التي نادراً ما اجتمعت منذ انتخابها، فقد عقدت جلسة أمس وقررت «متابعة ملف التلوث على المستويات كافة»، أي بعبارة أوضح لن تتابع شيئاً.
منظمة «غرينبيس» (التي افتقدنا صوتها طوال فترة الحرب نتيجة إجلاء موظفيها مع بقية الرعايا الأجانب) كانت بالأمس العين التي نقلت لنا صوراً من قعر البحر ليكتمل أمامنا المشهد الكوارثي للبقع النفطية، على اعتبار أن اللبناني بطبيعته معجب جداً بالمثل القائل «عين لا تقشع قلب لا يوجع».
فلقد أظهرت صور التقطتها منظمة «غرينبيس» ونقابة الغواصين اللبنانيين بقعة نفطية راكدة في قاع البحر في محيط معمل الجية الحراري نتيجة تدفق الفيول، إثر قصفه خلال الهجوم الإسرائيلي على لبنان.
وبيّنت الصور التي عُرضت من خلال فيلم في مؤتمر صحافي أمس في فندق الكومودور بقعة تمتد على الأقل 100 متر غرباً وعشرات الأمتار شمالاً وجنوباً، وتتراوح سماكتها بحسب بيان للمنظمة بين 1 و10 سنتمترات، في دليل على غرق قسم لا يستهان به من الفيول الذي تسبب به القصف الإسرائيلي لخزانات الوقود في معمل الجية، «ما يهدّد بخنق الحياة في قاع البحر».
وقالت منسقة أنشطة «غرينبيس» زينة الحاج إن «تقييم امتداد التسرب وحجمه سيحتاج الى أبحاث تحت الماء على امتداد الساحل ،إضافة الى الرصد الجوي والبري». ودعت الى رفع الحصار البحري الاسرائيلي عن الساحل اللبناني «على الفور للمباشرة بهذه الأعمال الملحة».
ورأت أن«التأخير في المعالجة يفاقم أثر التلوث، كما قد تؤدي التيارات والرياح الى تعويم بقع الفيول الغارقة التي ستشكل مجدداً خطراً على الشواطئ».
ورداً على أسئلة الصحافيين، شددت الحاج على أهمية المسح الشامل للأضرار، وأشارت الى أن «المعلومات التي تم رصدها تشير الى أن التلوث هو في مواقع معينة، وهو ضرب قاع البحر وان أي بقعة تستخرج نكون قد خففنا من الخطر». وتساءلت عن «مكان رمي مثل هذه الملوثات». وأشارت الى «خطورة المواقع الملوثة، ودعت الى عدم لمسها أو الاقتراب منها».
رئيس نقابة الغواصين المحترفين محمد السارجي الذي أجرى عمليات الغوص في الجية، قال: «ان المشهد مريع وإن قاع البحر مغطى بالكامل بالفيول، وهذا ما يهدد الحياة البحرية على مدى أعوام في حال عدم محاصرة البقعة النفطية وإزالة ما يمكن منها على الفور». وأوضح السارجي: «ان هذا الاكتشاف في الجية، إضافة الى عمليات غوص أخرى في بيروت وجبيل، مؤشرات إضافية الى احتمال وجود بقع أخرى من الفيول السام، جاثمة في قاع البحر على طول الساحل». وأوضح السارجي أن «الكارثة كبيرة جداً وأن المشكلة هي في حوض البحر»، لافتاً الى أن «كميات النفط الكبيرة هي في الجية»، وقال: «ان العوامل الطبيعية تؤدي دوراً في انتشار البقع النفطية كالتيارات البحرية». ودعا الى «معالجة هذا الأمر قبل شهر كانون الأول المقبل نظراً للظروف المناخية التي تساهم في عملية التنظيف».