عرق الجهاد همى على عينيه فانطبقت جفونه/ ضنت عليه بالدموع عيونه فبكى جبينه حين نظم شاعرنا المهجري شفيق المعلوف أبياته هذه في وصف المزارع والفلاح، كانت الأرض تغرس والقمح يدرس والمحاصيل وفيرة. مزارعو لبنان وفلاحوه. الذين قذفهم اقتصاد الخدمات منذ عقود الى خانة النسيان، كان ينقصهم العدوان الإسرائيلي، الذي قطع الأرزاق والأعناق ولوّث التربة وشرّد من بقي صامداً. ما هي ضمانتهم؟ وزير الزراعة طلال الساحلي، لعلّ لديه الضالّة:
أجرتها رشا أبو زكيكيف توزعت الخسائر على القطاعات الزراعية ؟
ـ لقد أنتج العدوان الإسرائيلي على لبنان أضراراً طالت معظم القطاعات الزراعية من صيد السمك والنباتات والأشجار المثمرة والخضر إلى قطاعات النحل والدواجن والأبقار والماعز. وخصوصاً أن ساحة القتال كانت في منطقتي البقاع والجنوب وكلتاهما زراعيتان. وبعيداً عن الخسائر الإنتاجية، استهدفت الغارات الإسرائيلية البساتين والمشاريع الزراعية بشكل مباشر، فحرقت الأشجار والزرع وقُضي على بعض المواسم بسبب عدم تمكن المزارعين من الوصول الى بساتينهم، وقصفت القنوات والأنابيب التابعة لمصلحة الري في نهر الليطاني.

■ ما هي الوثائق التي حددت الوزارة في ضوئها الخسائر بـ500 مليون دولار أميركي؟
ـ الخسائر أقل من هذه القيمة بقليل. وهي تقديرات أولية. ناتجة عن تقويم أولي بالأضرار أعدّته النقابات والهيئات الزراعية وغرف التجارة وغيرها. ولدى الوزارة الآن فرق عمل في المناطق وخصوصاً في الجنوب والبقاع لحصر الأضرار الزراعية ومسحها، كما وزعت استمارات تسهّل هذا الموضوع. المهمة صعبة بسبب المساحات الزراعية الشاسعة، وعدم قدرة بعض المزارعين أو الخبراء على الوصول الى بعض الأماكن المتضررة. اذ ان انجاز دراسة دقيقة عن حجم الأضرار يتطلب نحو ثلاثة أسابيع .

■ هل تؤمّن حاجات المزارعين الملحّة من الدول المانحة؟
ـ لقد أبلغنا النقابات الزراعية وجميع المعنيين بأننا مستعدون لتأمين طلباتهم الملحة لاستكمال عملهم، عن طريق مساعدات الإغاثة. كما ان امكانات الوزارة في خدمتهم ومساعدتهم للوصول الى تعويض الأضرار بعد إنجاز المسوحات.

■ ماذا أعددتم عملياً لذلك؟
ـ طبعا نعدّ جداول، وسنرفعها الى مجلس الوزراء لإرسالها الى الهيئات الدولية. وطلبنا مساعدة منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) بعد أن حدّدنا القيمة الأولية للأضرار. وعلى الرغم من عدم دقتها، إلا أنها تعطي فكرة عن حجم الخسائر في القطاع الزراعي. وسيعقد اجتماع مع المنظمة في الأردن لعرض الخسائر وإمكانات المساعدة. كما ستعمل دولة الإمارات العربية المتحدة على إصلاح مرفأ الصيادين في الأوزاعي وتعويض الصيادين.

■ أعلنت أن السمك صالح للاستهلاك. في حين أن بعض الهيئات البيئية أكدت أن تلوث البحر يؤثر سلباً على الحياة البحرية؟
ـ أجرينا فحوصاً على عيّنات عشوائية من السمك في السوق وتبيّن أنها صالحة للاستهلاك البشري لأن معظمها يعيش في قعر البحر، والتلوث ينتشر على السطح. والتقارير التي يُعلن عنها من دون أي وثائق علمية أو مخبرية ليست صحيحة، وتتعمد القضاء على قطاع صيد السمك وتخريب الاقتصاد.

■ ولكن لماذا لم تفحص عينات سمك من البحر مباشرة فهناك سمك مستورد في السوق.؟
ـ كلا. السمك الموجود في السوق اللبناني يأتي من البحر اللبناني وهو صالح للاستهلاك .

■ تم اكتشاف مواد مشعة وقنابل عنقودية في البساتين والمناطق الزراعية. كيف تتعاطى الوزارة مع هذه المشكلة؟
ـ دولة الإمارات العربية المتحدة أعلنت أنها ستساعد في نزع الألغام والقنابل العنقودية من بعض المناطق الزراعية. كما سنتابع هذا الموضوع مع الجهات المعنية بنزع الألغام. اذ ليس للوزارة متخصصون في هذا المجال. أما بالنسبة للمواد المشعة فلم تثبت التقارير وجودها. ويعمل المجلس الوطني للبحوث العلمية على عينات من بعض الأراضي الزراعية. واذا كانت النتائج ايجابية فسنجد الآليات المناسبة للقضاء على هذه المشكلة .هل من خطة للنهوض بالقطاع الزراعي بعد النكسة التي أصابته؟
ـ أعدّت الوزارة خطة متكاملة لتطوير القطاع الزراعي. فالمزارع يريد معرفة نوعية التربة وحاجة الأسواق، إضافة الى مرصد زراعي يرشده، ويتابع الطلب في الأسواق الخارجية. وهذه البنود مطروحة في الخطة التي كانت ستناقش في مجلس الوزراء. الا أن الحرب عاقت ذلك. أما الآن فقد تغيرت المعادلة، نحن في مرحلة إغاثة القطاع. ونعالج الأمور خطوة خطوة. وبدأنا مرحلة إجراء مسوح دقيقة للأضرار والخسائر المباشرة وغير المباشرة. ونبحث سبل مساعدة المزارعين لينخرطوا في الدورة الاقتصادية من جديد.

■ هل سيعاد النظر باتفاقية تيسير التجارة العربية بعد انخفاض القدرة التنافسية للزراعة اللبنانية؟
ـ اتفاقية التيسير ما زالت سارية. وسنبحث في الأسبوعين المقبلين مع الفاعليات الزراعية إمكان زيادة استيراد بعض أنواع الزراعات التي فقدت نوعيتها بسبب العدوان والأضرار التي أصابت القطاع. كما وافقت الأردن على الحدّ من إجراءات قبول بعض الزراعات المصدّرة من لبنان. كما نطلب من الدول العربية عدم التشدد في الشروط المطلوبة لإدخال الانتاج الزراعي اللبناني الى أسواقها. ونساعد الهيئات الزراعية عبر إجراء الإتصالات ببعض الدول لتسهيل تصريف إنتاجهم.

■ وأين المعاملة بالمثل في اتفاقية التيسير؟
ـ القطاع الزراعي يمر بظروف استثنائية، والوقت ليس ملائماً لمثل هذه المطالب. فمعظم المفاوضات مع الدول المجاورة يتم على أساس ودّي وأخوي، ويرتكز على طلب تقديم المساعدة للقطاع .

■ أثّرت الأزمة الزراعية على قطاعات إنتاجية أخرى. هل من تنسيق مع الوزارات المعنية في هذا المجال ؟
ـ حتى الآن لم نجد أي مشكلة كبيرة توجب عقد اجتماع مشترك بين الوزارات، فكل وزارة تعمل ضمن إطار صلاحياتها.

■ هل تجري الوزارة اتصالات لتأجيل السندات المستحقة للمصارف عن القروض المقدمة للمزارعين؟
ـ هذا الموضوع ضروري ومهم. وسأبحث قضية قروض كفالات وقروض المصارف الى المزارعين مع رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، اضافة الى ضرورة سداد «ايدال» حقوق المصدرين .

■ هل ستدعم الدولة الزراعة كأن تتكفل بخفض التكلفة وأسعار بعض المواد المستخدمة في الزراعة؟
ـ هذا الموضوع ليس مطروحاً، ولم يطرحه أحد. وإذا تمت المطالبة به، سنرى الإمكانات اللازمة لتسوية هذا الموضوع. نريد مساعدة المزارع المنكوب، والمسألة لا تتوقف على خفض الأسعار لأن تكلفة الإنتاج تدخل فيها أسعار الكهرباء والمازوت وغيرها، وهذا موضوع معقد. اذ ان همّنا الأساسي الآن هو إغاثة القطاع. أما المواضيع الأخرى فليست ضمن أولوياتنا.
ألم يحن الأوان لشمول المزارعين بتقديمات الضمان الاجتماعي؟
ـ لن أتحدث عن مشكلات الضمان. ان ادخال المزارع الى صندوق الضمان يستلزم أولاً معرفة من هو المزارع. وهناك مشروع قانون سنرفعه الى مجلس النواب يتضمن بنوداً تعرّف بالمزارع وتحدد كينونته. لا نستطيع بحث حقوقه قبل ذلك. من يستطع أن يحدد عدد المزارعين في لبنان؟ لا أحد. لأن المزارع يمكن أن يكون معلماً في مدرسة، ومنتسباً الى صندوق الضمان ويزرع أرضه ويبيع إنتاجها. ان هذا الموضوع معقد ويستدعي قانوناً يحدد صفة المزارع.

■ تستطيعون العودة الى النقابات الزراعية لمعرفة المنتسبين. كما ان آلية عمل الضمان تحدد إذا كان المزارع مضموناً في قطاع آخر.
ـ هذه تفاصيل. اذ يجب تحديد المزارع الذي يعمل فقط في قطاع الزراعة، كالعمال في القطاعات الأخرى. ومشروع القانون الذي أعدّ يحدد توصيف المزارع ويسهّل الإجراءات الحقوقية الأخرى ويتناول حقوقه وواجباته .
■ تريدون تحويل الزراعة الى مهنة، وفرض ضرائب على المزارع؟
ـ نعم. كأي عامل في القطاعات الإنتاجية الأخرى.

■ لماذا لا نسمع عن حملات تسويق الإنتاج الزراعي اللبناني؟
ـ القطاع الخاص الزراعي يشارك في بعض المعارض ويسوّق الانتاج اللبناني. ونحن كوزارة زراعة نشارك في المعارض التي تقام في الدول العربية المجاورة كمعرض دمشق. ولكن لا نستطيع وفق الميزانية المحجّمة المحددة للقطاع المشاركة في المعارض الأوروبية. نحن نتحرك ضمن إمكاناتنا .

■ لماذا التعاونيات الزراعية غائبة عن وظائفها وتتخبط بالمشكلات؟
ـ التعاونيات الزراعية مهمة وضرورية، وهي من القطاعات التي نوليها الاهتمام. أعطينا توجيهات للمديرية العامة للتعاونيات لفتح ملف التعاونيات ودعم تلك التي تقوم بدورها، ومساعدة التعاونيات المتعثرة وحذف غير المنتج. فالتعاونية الجيدة تزرع وتنتج وتسوّق وتبيع وتوزع على أعضائها المنافع. وعندما تفقد التعاونية أحد هذه العناصر نساعدها لتصحيح الخلل. واذا كان لديها مشكلات في تنفيذ المراحل التطبيقية فنمدّها بخبرائنا للمساعدة. وأقرّ بوجود مشكلة في هذا القطاع لكننا نسعى الى حلها.

■ متى سيولى القطاع الزراعي العناية اللازمة أسوة بالقطاعات الإنتاجية الأخرى؟
ـ أرى أن القطاع الزراعي أحد أهم القطاعات الانتاجية في لبنان. في حين ان الدولة تراه ثانوياً مقارنة مع القطاعات الخدمية والمصرفية وغيرها، وهو يعاني الإجحاف ونسعى لإمداده بالمساعدة اللازمة ليؤدي دوره في اقتصاد البلد. وسيحل ذلك مشكلات اجتماعية عديدة: من تثبيت المزارع في أرضه، والحد من الهجرة الداخلية، وتصحيح الخلل الديموغرافي الى تخفيف حدة البطالة...

■ حصلت على براءتي اختراع في المضمار العلمي. ولديك سيرة ابداعية في مجال الاتصالات. ما الذي أتى بك الى الزراعة؟
انا في وزارة الزراعة لأن توزيع الحقائب الوزارية يتم في لبنان وفق معادلات معينة. كما ان المعرفة لا تتجزأ، فجوهرها واحد والمنهج العلمي هو الدليل الى جوهر المعرفة. فأنا لست مهندساً زراعياً، ولدى الوزارة فريق عمل على درجة عالية من المعرفة والخبرة في الزراعة. ولديّ كوزير رؤية للنهوض بالقطاع. وأصبح لديّ معلومات وافرة عن القطاع بسبب متابعتي مشكلاته وشجونه، إضافة الى الأسس التي تضعه على سكة التطور.


خطوة خطوة
نحن في مرحلة إغاثة القطاع، ونعالج الأمور خطوة خطوة. وبدأنا مرحلة إجراء مسوح دقيقة للأضرار والخسائر المباشرة وغير المباشرة، ونبحث سبل مساعدة المزارعين لينخرطوا مجدداً في الدورة الاقتصادية.
إن إدخال المزارع الى الضمان يستلزم أولاً معرفة من هو المزارع. هناك مشروع قانون سنرفعه الى مجلس النواب يتضمن بنوداً تعرّف بالمزارع وتحدد كينونته، ولا نستطيع بحث حقوقه قبل ذلك.
المسألة لا تتوقف على خفض الأسعار لأن تكاليف الإنتاج تدخل فيها أسعار الكهرباء والمازوت وغيرها، وهذا موضوع معقّد. إذ إن همّنا الأساسي الآن هو إغاثة القطاع. أما المواضيع الأخرى فليست ضمن أولوياتنا.
حتى الآن لم نجد أي مشكلة أساسية لعقد اجتماع مشترك بين الوزارات. فكل وزارة تعمل ضمن إطار صلاحياتها.


طلال الساحلي من مواليد الهرمل. حائز دكتوراه علوم في هندسة الاتصالات، وكفاءة في علوم هندسة الاتصالات. وحاصل على براءتي اختراع لهوائيات تعمل على موجات المايكرويف. اكتشف معادلة جديدة لحساب معامل الانزياح الموجي لشبه الموصل الصناعي. عضو مجلس إدارة المجلس الوطني للبحوث العلمية (1998 ـ 2001). باحث في قسم الهندسة الكهربائية في جامعة سيدني أوستراليا... عُيّن وزيراً للزراعة عام 2005 .