strong>توّجت قرية «الجمّالية» البقاعية سلسلة نضالات أهلها في الحرس الشعبي وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، باستشهاد سبعة من أبنائها في القصف الإسرائيلي الذي ترافق مع الإنزال على مستشفى الحكمة المجاور للقرية. تفاصيل ما حدث في «الجمّالية» ليل الأول والثاني من آب، يرويها محمد وقاسم جمال الدين.
نادر فوز

بدأ القصف عند التاسعة مساءً وسط تحليق كثيف للطائرات الإسرائيلية. استُهدف الطريق العام الذي يربط لبنان بسوريا والذي يقع على الأطراف الغربية للقرية. هذا الأمر دفع الجميع إلى النزوح نحو البيوت والبساتين التي تقع شرقيَّها، فتمّ احتضان أكثر من 93 فرداً، منم 35 طفلاً، في منزلين فقط. بدأ تحليق المروحيات الإسرائيلية، وكانت الطائرات الحربية تقوم بحمايتها، كما قال قاسم. بقي معظم السكان خارج المنازل لعلهم يفهمون حقيقة ما يحصل. ثم بدأ القصف يشتد. جرى العمل على إدخال الأطفال والنساء إلى المنازل. «يمكن هيدي التحركات لفتت الإسرائيليي»، فتمّ استهداف من بقي خارجاً بصاروخ أوّل. استشهد مكسيم (18 عاماً) وحسن جمال الدين (20 عاماً) مباشرةً. قام أحد الشبان بتفقدهما، وجد جثة مكسيم فغطّاها بفراش. لكن بعد ثوان، استهدف الفراش حيث يقبع الشهيد. تناثرت الأشلاء على بعد أكثر من ستين متراً. حتى إنّ بعضاً منها، وجد في اليوم التالي، معلّقاً على أسلاك أعمدة الكهرباء المجاورة. كانت الساعة تناهز الثانية والنصف فجراً.
قبع كل منهم في مكانه، تحت الأشجار، بالقرب من الحفافي؛ «فقدنا الشعور وانشلّ تفكيرنا» يقول محمد. فلم يعد أحد يتفقّد أحداً. غارة أخرى استهدفت القرية، وقع ضحيتها ناجي جمال الدين (45 عاماً) وابنه محمد (12 عاماً)، كما أدّت الغارة إلى سقوط شهيد آخر هو حسين المقداد (45 عاماً) الذي كان يقوم بزيارة صديقه ناجي. عند الساعة الرابعة والدقيقة الأربعين من فجر الثاني من آب، سقط الصاروخ الأخير على الجمّالية، وحصد شهيداً جديداً، أبو أكرم (58 عاماً). يتحدث محمد وقاسم عن عوض جمال الدين (أبو أكرم) ، بأنه والد لتسعة أولاد، ويتحدثان عن بطولاته في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في صفوف جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. ويتحدث عن انضمامه إلى الحرس الشعبي في الستينيات، وقيامه بعمليات عسكرية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. لقد أعرب أبو أكرم، قبل يوم واحد من استشهاده، عن استعداده للذهاب إلى الجنوب في حال استدعاء الحزب الشيوعي لمقاتلي «الجبهة».
انتهت العمليات العسكرية عند الساعة الخامسة فجراً. سمحت زرقة السماء المظلمة لأهالي القرية بالخروج، ليروا هول الصواريخ الإسرائيلية. وجد مالك جمال الدين (31 عاماً) شهيداً أيضاً.
وهو كان يستعد للاحتفال بزواجه بعد أيام قليلة.
أقام أهالي الجمّالية مراسم دفن جماعي للشهداء السبعة. لكن محمد يقول إنّ تحليق الطائرات يوم تشييعهم «لم يسمح لنا بتكريمهم بشكل لائق».
يشكو من همجية العدوان وبربريته ويتأثر حين يقوم هذا العدو بمنعهم من توديع أحبائهم كما يجب.
فهو يرى، كما الكثيرون من أفراد العائلة، أنّه كان من مسؤوليتهم عدم دفع الناس إلى مشاركة كثيفة، «عملوها بالغازية والشياح»، يقول قاسم.
يعتبر قاسم من جهته ان هؤلاء الشهداء سقطوا فداء للوطن, وان التضحيات ستبقى مستمرة لحين تحرير جميع الأراضي اللبنانية من العدو.
مكسيم، بطل البقاع في الكاراتيه ولاعب المنتخب اللبناني للناشئين في كرة القدم، كان يحلم بأن يدرس الطيران، وإذا بطائرة تقتله. أبو أكرم الذي كان «مشروع شهيد»، أتمّ مشروعه. محمد طفل الاثني عشر ربيعاً، ترك دراجته الصغيرة وانطلق في قافلة شهداء أخرى.
والآخرون الذين كانوا يبحثون عن وطن وعن حياة راقية كريمة فوجدوا الشهادة.