ألقى القرار 1701 الضوء مجدداً على السلاح الفلسطيني الذي أجمعت طاولة الحوار على سبل معالجته. ما جديد هذا الملف في ضوء الاتصالات بين لبنان والسلطة الفلسطينية؟ التحقيق الآتي يحاول الاجابة
ناصر شرارة
تعاملت الحكومة اللبنانية خلال اجتماعاتها مع وفد ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، إبان العدوان، على أساس أن الحوار اللبناني ــ الفلسطيني، بات منذ اليوم، تنطبق عليه مفاعيل القرار 1701 لا توصيات مؤتمر الحوار الوطني الداعية الى حله عبر حوار لبناني فلسطيني.

ويعتبر هذا الخطاب أن معالجات ما قبل الحرب لم تعد هي المعتمدة، لأن هناك قراراً أممياً جديداً هو القرار 1701، يُلزم لبنان بواجبات جديدة سواء تجاه سلاح حزب الله أو سلاح الفلسطينيين، وخصوصاً في منطقة ما وراء خط نهر الليطاني.
فبعد يومين من صدور القرار 1701، زار رئيس الممثلية الفلسطينية في لبنان عباس زكي، وكان قد عاد لتوّه من رام الله، رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة. وسمع منه كلاماً جديداً حدد فيه السقف السياسي الذي سيحكم علاقة الدولة اللبنانية في هذه المرحلة مع الفلسطينيين في لبنان، وأبلغه بوضوح: «نحن نريد تسلّم السلاح الفلسطيني الموجود وراء خط نهر الليطاني».
وردّ زكي: «نحن لا نملك سلاحاً. وسبق أن سلّمنا سلاحنا في عام 1991. وأنا أريد الرجوع إلى قيادتي في شأن مطلبك هذا». وهنا قطع السنيورة عليه الطريق قائلاً: «حادثت أبو مازن، وهو موافق، وتعهّد لي بأن يسهّل هذا الموضوع». وأضاف: «إن القرار 1701 قرار جاهز للتطبيق، وبموجبه سيُنشر الجيش واليونيفيل على خلفية الانسحاب الاسرائيلي بعد وقف إطلاق النار».
وقال بحزم: «لا سلاح جنوبي الليطاني إلا سلاح الجيش اللبناني والقوة الدولية، وما ينطبق على اللبنانيين سينطبق على المخيمات، لكن بطريقة أخوية ومن دون إجراءات سلبية، وهو أمر يجب التفاهم عليه».

وبعد ذلك، قصد زكي وزير الداخلية بالوكالة محمد فتفت، الذي أبلغه بأن «الدولة اللبنانية تريد تسيير دوريات للدرك في المخيمات الفلسطينية». لم يمانع زكي، وهنا أضاف فتفت: «يجب أن تكون لهذه الدوريات صلاحيات التوقيف والاستدعاء»، مشيراً الى أن رئيس السلطة الفلسطينية «أبلغ رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، بأنه لا يمانع في فرض هذه الإجراءات».
ويقول مصدر فلسطيني مطلع إنه بعد هذين اللقاءين اتضحت الصورة بكل أبعادها، في ذهن زكي، عما يريده السنيورة بالتوافق مع أبي مازن، في هذه المرحلة. فالمطلوب «تسليم السلاح الفلسطيني الآن، الموجود في ما وراء نهر الليطاني، خدمةً للهدف الدولي في إيجاد منطقة أمنية عازلة في تلك البقعة، ولاحقاً إدراج تنظيم العلاقة مع الفلسطينيين في لبنان، بكل أبعادها، ضمن تطبيقات مفاعيل القرار 1701».
ولكن ممثل الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين علي فيصل، الذي كان ضمن الوفد مع زكي في لقائه مع السنيورة، قال لرئيس الوزراء اللبناني إن «موضوع تنظيم السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وكل القضايا الأخرى، هما رزمة واحدة بجوانبها الأمنية والسياسية والاجتماعية كافة، ولا يمكن تجزئتها، وهذا الملف الكامل يخضع للحوار الفلسطيني اللبناني حسب ما نصت مقررات مؤتمر الحوار الوطني اللبناني».
ولم ينف علي فيصل، رداً على سؤال لـ«الأخبار»، مضمون كلام السنيورة عن تطبيق مفاعيل القرار 1701 على فلسطينيي لبنان، لكنه خفّف منه بالقول إن «طرح هذا الموضوع من السنيورة جاء في إطار عام». ونفى علمه بمطلب سحب السلاح الفلسطيني وراء خط الليطاني، وقال: «أفضّل أن تأتي الأجوبة التفصيلية عن هذا الموضوع من فتح إن كان السنيورة قد فاتحهم بهذا الموضوع».
أما العميد منير المقدح المشرف العام لميليشيا فتح في لبنان، فكشف لـ«الأخبار» عن أن العنوان الأساسي لزيارة زكي ومرافقيه للسنيورة كان: «نقل رسالة دعم رام الله للحكومة اللبنانية في هذا الظرف، ولكن زكي فوجئ بالسنيورة يطالبه بتسليم السلاح الفلسطيني الموجود ما وراء نهر الليطاني». ويضيف المقدح: «إثر ذلك، التقى زكي فصائل فلسطينية، ونقل إليها مطلب السنيورة، ولكنها جميعها توافقت على أنه يجب التعاطي مع الملف الفلسطيني بوصفه ملفاً واحداً بكل جوانبه ولا يمكن تجزئته، وأن مرجعيته هي الحوار الوطني اللبناني لا القرار 1701. وأكدت أن فلسطينيي لبنان يعتبرون قرار مجلس الأمن الرقم 194 الذي ينص على حق العودة الى فلسطين، المرجعية الدولية المعتمدة بالنسبة إليها».
وبحسب مصدر فلسطيني مطلع، فإن زكي، بعد لقاءيه بالسنيورة وفتفت، شعر باستياء كبير، ولم يكن مرد استيائه سياسياً بل بروتوكولياً. وهذا ما أبلغه لأبي مازن عندما هاتفه بعد لقائه بالسنيورة، حيث سأله: «كيف يمكن أن يعرف سفيرك في لبنان من المسؤولين اللبنانيين ما تريد فعله هنا». فرد أبو مازن «تعاون مع طروحات السنيورة، ونفّذ ما يريده».

بعد ذلك قرر زكي مغادرة لبنان للمشاركة في تحضير اجتماع المجلس المركزي لفتح الذي كان قد أزف موعد عقده في الأردن، وأبلغ الحكومة اللبنانية «أنه يمكن متابعة موضوع المحادثات بشأن ما طرحه عليه السنيورة وفتفت، مع أمين سر حركة فتح في لبنان سلطان أبو العينين».
وبغيابه عن لبنان، لم تتسنّ إثارة الموضوع مع زكي، ورفض أبو العينين التحدّث بشأنه، واكتفى لدى سؤاله عن حيثياته هاتفياً، بالقول: «شكراً.. شكراً»، وغاب عن السمع. أما المصدر الإعلامي المفوّض في الممثلية، فنفى علمه بمضمون لقاء زكي مع السنيورة وفتفت، قائلاً إن ما يعرفه «هو أن مجمل نقاش الوضع الفلسطيني في لبنان أُحيل الى ما بعد انتهاء الحرب». ويعكس كلام المصدر الإعلامي في الممثلية، تراجعاً أو تجميد مطالب السنيورة المشتركة مع رام الله، بنزع السلاح الفلسطيني وراء الليطاني. وعزا مصدر فلسطيني سبب ذلك الى أنه «ربما حدث لتعثّر العدوان ورفض الفصائل الفلسطينية لهذه الاقتراحات». ويثير هذا الموضوع سؤالاً عن موقف رام الله من العدوان، وقد أكد الناطق الاعلامي أنه «موقف تضامن». ولكن أكثر من مصدر فلسطيني أكد صدور توجيه شفوي عن رام الله يوصي الممثلية في بيروت بإدارة نقاش مع فلسطينيي لبنان يشرح «أن رام الله تنظر الى الحرب من زاوية الوضع العام في المنطقة، وتتهم حزب الله بأنه لم يحسب جيداً خطوته في أسر الجنديين». وتدعو المخيمات الى عدم المشاركة عسكرياً الى جانب المقاومة، وتشير الى ضمانات بـ«أن اسرائيل لن تضرب المخيمات، ولن يصل توغّلها العسكري الى مناطقها».
وكان زكي في لقائه رئيس الجمهورية إميل لحود، أثناء الحرب، قد كرّر مضمون هذا الموقف، وقال للحود: «إن حزب الله على ما يبدو لم يكن قد حضّر للمعركة، ولم يكن يتوقّع ردات الفعل ولم يُعلم أحداً بالعملية. وهذا كلام نقوله لك لا لوسائل الإعلام».
ورد لحود: «الشعب اللبناني ومقاومته مصران على الخروج بشرف من هذه المعركة»، مؤكداً «أن المقاومة حققت نصراً عسكرياً واستراتيجياً على اسرائيل».


  • أسامة حمدان: الحل بالحوار مع اللبنانيين
    يعتبر أسامة حمدان أن طرح موضوع السلاح الفلسطيني وراء خط نهر الليطاني «يأتي في سياق صدور القرار الدولي الجديد الذي يحرّم السلاح غير الشرعي وراء خط نهر الليطاني. ونحن في حماس لدينا وجهة نظر تفيد بأننا اتفقنا على حوار فلسطيني ــ لبناني من أجل تنظيم العلاقة اللبنانية ــ الفلسطينية بشكل كامل. ومن الواضح لدينا أن هناك أربعة جوانب في حاجة الى المعالجة لتنظيم هذه العلاقة: الجانب السياسي، الجانب الإنساني، وجانب على صلة بتعريف الصفة القانونية للاجئ الفلسطيني في لبنان، والجانب الأمني. وهذه عناوين تُناقش رزمةً واحدةً. وفي ما يخص الجانب الأمني وضمنه السلاح الفلسطيني، فهو يندرج ضمن بندين:
    ــ الوضع الأمني بالنسبة إلى الفلسطينيين، بمعنى ضمان أمنهم في وجه استهدافهم من اسرائيل. وهذا يحتاج الى تنظيم يكفل تحقيق الأمن من جانب والسيادة اللبنانية من جانب آخر.
    ــ السلاح الفلسطيني الموجود في لبنان نتيجة تراكمات تاريخية بدأت منذ أربعة عقود، وقد جرت معالجات له في محطات معينة بعضها كان جزئياً وبعضها موضعي. نحن الآن أمام مشهد قائم يحتاج الى معالجة بالحوار أولاً، وبما يحقق تفاهماً يضمن الحماية للفلسطينيين ولقضيتهم من جهة وسيادة لبنان وأمنه واستقراره من جهة ثانية.


  • علي فيصل: القرار 1701 لا يلغي سلاحنا
    حدّد عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين علي فيصل موقف الجبهة من موضوع السلاح الفلسطيني في لبنان، كالآتي:
    «أولاً ــ إن المخيمات الفلسطينية لا تملك سلاحاً حربياً بل سلاحاً فردياً لحماية نفسها من مجازر الاحتلال الاسرائيلي ما بقي محتلاً لجزء من أراضي لبنان، ويهدّد سلامة الشعبين اللبناني والفلسطيني، وخصوصاً أن دماء شهدائنا في صبرا وشاتيلا لا تزال ماثلة للعيان.
    ثانياً ــ إن موضوع السلاح الفلسطيني لا يحل وفقاً لمنطوق القرار 1559 لكونه يمس الجوهر السياسي في الصميم... ويضرب مرتكزات القرار 194 باعتباره الفلسطينيين ميليشيا أجنبية، بينما هم شعب شقيق يناضل في إطار حركة اللاجئين التي هي جزء من حركة التحرر الوطنية للشعب الفلسطيني المناضلة لانتزاع حق العودة وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وإسقاط مشاريع التوطين والتهجير، إذ لا حل لقضية اللاجئين إلا بتطبيق القرار 194، فيما لا يشكل القرار 1701 أي مقاربة له، إن لم يكن معاكساً له.


  • مخيمات ما وراء النهر
    يوجد خمسة مخيمات ما وراء نهر الليطاني وهي
    مشمولة ضمناً بقرار التجريد من السلاح:

    1ــــ مخيم الرشيدية: يُقدّر عدد اللاجئين الفلسطينيين فيه بـ12 ألفاً، ويتحدّر معظمهم من منطقة الجليل في فلسطين، وتحديداً من بلدات: سحماتة، علما، الكويكات، الغابسية، الشيخ داود، الزيب، فارة ونحف.
    2 ــــــ مخيم الرشيدية: سكانه 12 ألف لاجئ، وأشهر البلدات التي يتحدّرون منها تقع في الجليل، وهي: لوبية، الخالصة، الذوق التحتا والفوقا، الناعمة وصفوري.
    3 ــــــ مخيم البص: سكانه أربعة آلاف لاجئ.
    4 ــــــ تجمّع أبو الأسود: ثلاثة آلاف لاجئ من بدو الجليل.
    5 ــــــ تجمّع الشبريحا: ألفا لاجئ معظمهم من أبناء القرى السبع.