أمال خليل
انتهت أيّام زينب العبد الله المعدودة في مروحين. عادت إليها مع من بقي من الأهل حياً لتدفن المجزرة، وفي اليوم التالي لتتقبّل عزاءها. ثم تنتقل نهائياً إلى بيروت مع أخيها لتخطّ حياة بديلة من دون أبيها وأخيها محمد وأولاد أخيها كامل وأمهم.
“إن أحداً لم يُظلم مثلهم” تقول زينب الناجية من المجزرة. قوات الطوارىء التي طردتهم. شاحنة البيك آب التي تعطّلت عند ذاك المرتفع اللئيم بين شمع والبياضة المطل تماماً على مرمى بوارج العدو. القذيفة الأولى من البارجة، الثانية والثالثة والرابعة من المروحية التي واصلت قصفها لتقتل من لم يمت في المرة الأولى، ثم الرصاص الذي مزّق الأشلاء.
لكنها تدرك أن أعمق الظلم هو “أنها بقيت حية على رغم أن كل من كانوا ملاصقين لها في شاحنة البيك آب ماتوا”.
23 شخصاً استسلموا لموت مصرّ على قتلهم إلا زينب (19 سنة) وابنة أخيها لارا (6 سنوات) وابنة خالها مروى (10 سنوات) وأخيها وسام (16 سنة). وسط الدخان صرخت زينب “يا بيي” فجاوبتها مروى ولارا “يا عمتو تعي خديني”.
ثلاث فتيات نازفات خائفات مشين ساعة ونصف ساعة حتى قرية شيحين حيث التقاهنّ قريب على الطريق ليحملهنّ إلى صور. أما وسام فقد ظلّ بين الأموات مدة خمس ساعات حتى تمكّن الصليب الأحمر من التوجه إلى مكان المجزرة وانتشاله من بين الجثث. يقول وسام إنه اضطر للموت معهم “لأن الطائرة كانت تعاود القصف كلما رصدت جسداً يتحرك”. لا يزال وسام في المستشفى يتماثل إلى الشفاء وقد عـــلم بالصـــــدفة بأنه فقد أمــــه وأخته وأخــــــاه في المجزرة.
كانت مروحين وحيدة مع أهلها وفجيعتها عندما أُُقيمت الذكرى عن أراوح الشهداء في الساحة العامة حيث المسجد مقصوف والجدران تغصّ بصور الشهداء المظلومين والكراسي الشاغرة والقرآن والكلمات ثم لا أحد. فأهل الشهداء سيعودون إلى بيروت حيث سكنهم الأصلي.
زينب ومروى ولارا يستعجلن الخروج من مروحين بل الهروب بعيداً منها. الأهم أنهن لا يردن سلوك طريق الموت تلك. فليشقّوا طريقاً جديداً لهنّ يكون طريقاً للحياة. لمن تبقى زينب ورائحة أبيها “في شتول التبغ قد احترقت معها!”.
عندما غابوا، حلّ صمت مميت على مروحين، وعلى بيت محمد غنّام الذي لن يذهب إلى مكان، هو وزوجته وأبناؤه السبعة. مكانهم الأبـــــدي أصـــــبح هـــــنا حيث أُبــــــيدوا.