ناصر شرارة
تطلب دول عدّة، وجهات فرنسية وبريطانية ويابانية، استشارة شركات وسياسيين ورجال اعمال وثيقي الصلة بدول غربية في موضوع إعادة إعمار ما تهدم من الضاحية الجنوبية. ولا تتوسل هذه الاستشارات البحث عن استثمار يجلب الربح، بل البحث عن استثمار سياسي في عملية اعادة البناء. والفكرة الاساس التي تحرك هذه الجهات، تقوم على استذكار عبارة شهيرة لونستون تشرشل تقول: «نحن نهندس المبنى، لكن المبنى بعد انشائه يهندسنا».
في منتصف الثمانينيات، وُضعت خطط لإعادة هيكلة اجتماعية وعمرانية وديموغرافية للضاحية تحت عنوان «ضاحية جنوبية برؤية جديدة». وكان هذا العنوان، ربما بالمصادفة، هو نفسه الذي رفعه النائب باسم السبع شعاراً لحملاته الانتخابية النيابية التي تلت الطائف.
وتلاحظ خريطة «ضاحية برؤية جديدة» أن بيئتها الخدماتية والإنمائية، لا الإدارية، يجب أن تتّسع ساحلاً حتى الدامور، وتتداخل مع ضواح مجاورة لها. إلا أن هذه الخطة لم تبصر النور، لأن مصمميها وجدوا أن تنفيذها ستواكبه مشاكل تفوق المشاكل الناتجة من ابقائها في وضعها الحالي، وأساساً لأن بقاء الضاحية برؤية قديمة، سيودي بها إلى التهميش وفق الواقع الذي ذهبت اليه، عن سابق تصميم، ضواحي باريس التي يقطنها افارقة ومغاربة.
وتُستذكر الآن مقولة تشرشل مرة اخرى، على خلفية الحاجة الغربية إلى الحصول على اجوبة عن سؤال: ضمن اية رؤية سياسية سيعاد بناء الضاحية الجنوبية؟ وهل ستشيد مكان ما تهدم من بيوتها مبان عالية وحدائق وساحات وفق تخطيط جديد لشوارعها، ام سيعاد إعمارها على ما كانت عليه سابقاً: مبان متداخلة، وبنية تحتية متآكلة، وكتلة اكتظاظ بشري قادمة من الارياف، حيث تؤدي الضاحية دور الاسفنجة الاجتماعية والسياسية التي تمتص احتقانها؟
ثمة من يشدد، وفي مقدمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، على تغيير شكل البناء في الضاحية الجنوبية، بقصد تنميتها وانتهاز فرصة مأساتها، ويدعو الى اعتماد خطة اعادة اعمار تؤدي الى تحسين شروط حياة سكانها ودعم صمودهم الاجتماعي،
لكن في المقابل، ثمة من يحرض على تغيير البناء لمقاصد مختلفة، لا تتوخى الانماء والتنمية، بل لجعل الضاحية امتداداً لضواح اخرى، ولمناطق متصلة بها. بكلام آخر: هندسة جديدة للضاحية تؤدي الى هندسة سكانها بقالب جديد ويعطيها هوية اجتماعية وسياسية جديدة.
وأكثر ما هو موضع سؤال بالنسبة لهؤلاء الأخيرين هو مصير المربع الامني وهل سيعود للضاحية، واستطراداً، اين سيكون وسط الضاحية، بمعنى مركز ثقلها التجاري والسياسي والاجتماعي والثقافي: حارة حريك أم منطقة الغبيري؟ ومثل هذا التساؤل كان قد طُرح إثر تسلّم حزب الله مجلس بلدية بلدة الغبيري كبرى عقارات لبنان، والمتصلة ديموغرافياً وجغرافياً بعقار بيروت. آنذاك، طرح السؤال بصيغة: كيف سيحكم حزب الله القسم البيروتي من بلدية الغبيري الذي تشغله مؤسسات فندقية وسياحية عدة؟ اما الآن فيطرح السؤال بصيغة معاكسة، ومفاده: هل ستلتحق الضاحية بالقسم البيروتي من منطقة الغبيري إذا أعيد تخطيط بنائها على اسس جديدة؟
ومن الاسئلة المطروحة أيضاً، كيف ستتعامل الدولة مع اعادة بناء الابنية المتعدية على املاك الدولة. وهل ستطبق الحكومة القانون عليها لدى اعادة بنائها؟
وتُستعاد داخل أوساط طارحي هذه الاسئلة قضية جسر الاوزاعي الذي كان مخططاً تشييده بهدف تهميش بيئته المجاورة. وهناك، بين هذه الاوساط، من يشجع على تعميم هذا المثل ويطالب بترك عملية البناء في الضاحية لغير الدولة.
لماذا؟ لأن بناء الضاحية برؤية جديدة، بحسب رأي هؤلاء، حلم سياسي لا يمكن تطبيقه على الارض، تماماً كما القرار 1559.