راشيا – شريف سريويمع انتشار الجيش اللبناني وإخضاع المعابر غير الشرعية للإشراف المباشر، توقّفت تجارة التهريب نسبياً في منطقة راشيا. فقد أقيمت مراكز عسكرية ثابتة ونقاط مراقبة ظرفية، فيما تُسيّر دوريات مؤللة وراجلة في تلك المنطقة باستمرار.
هدأت المعابر بعدما كانت تضجّ لمدة تزيد على ثلاثين عاماً بالحركة والأنوار الكاشفة. غابت الآن هذه الانوار تقريباً، وأصبح التهريب حذراً جداً، ممّا أدّى إلى «انزعاج» مجموعات المهرّبين من هذه التدابير الأمنية التي ستؤثر سلباً عليهم وعلى جزء كبير من المواطنين المستفيدين من السلع المهرّبة.
ويقول علي إنّه لم ينفّذ عملية تهريب واحدة منذ أن وسّع الجيش اللبناني انتشاره عند الحدود في منطقة راشيا. لكنّه لا ينكر وجود التهريب في منطقة وعرة من جبل الشيخ، وإن كان على نطاق ضيق.
وكانت الحدود اللبنانية ــ السورية قد عرفت طوال حقبة ما بعد استقلال البلدين عن الانتداب الفرنسي حتّى يومنا هذا، تجارة مزدهرة تسمّى بتجارة «التهريب».
وصلت هذه التجارة إلى أوج ازدهارها ونشاطها في سبعينيات القرن الماضي ثمانينياته. وأوجدت آلاف فرص العمل ومئات المؤسسات التجارية الشرعية التي تمركزت على جانبي الحدود، لكنّها كانت أيضاً سوقاً للتهريب المنظّم.
غياب السلطة اللبنانية، وغضّ الطرف السوري في بعض الأوقات، حوّلا منطقة راشيا الحدودية إلى سلسلة من الطرق الوعرة التي كانت تشهد «عجقة» مهرّبين لمختلف أنواع البضائع والأصناف.
بعد انتشار فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في منطقة راشيا بعد عام 1969، ازدهرت تجارة «التهريب» بين لبنان وسوريا عبر المسالك الوعرة والطرق غير الشرعية التي شقّتها الفصائل. وتحوّلت المنطقة الممتدّة من وادي جنعم (شمال بلدة شبعا الجنوبية) حتى منطقة حلوة ــ دير العشائر شمالاً (راشيا) إلى أبرز «خط» للتهريب المنظّم على طول ستّين كيلومتراً تقريباً.
وشملت تجارة التهريب في هذه المنطقة قطعان الماشية، وكميات من الدخان التي كانت تهرّب إلى لبنان نظراً لتدنّي سعر صرف الليرة السورية أمام الليرة اللبنانية. وعمد عدد من المواطنين اللبنانيين والسوريين القاطنين على طرفي الحدود منذ ذلك الحين الى توسيع تجارتهم لتشمل الادوات المنزلية والسلع الاستهلاكية والمحروقات عبر الطرقات غير الشرعية والبعيدة عن المراقبة الحكومية. وقد تعرّض المهرّبون إلى كثير من الحوادث الأمنية، لا سيّما الاشتباكات المسلّحة التي تقع بينهم وبين القوى الأمنية على طرفي الحدود.
لم تضع هذه الحوادث الأمنية حدّاً لمغامرات المهرّبين، بل زادتهم عزماً على المضيّ بهذه المخاطرة لتأمين لقمة العيش لهم ولعائلاتهم.
وازدهرت هذه التجارة باضطراد في السنوات العشر الأخيرة بعد شقّ العديد من الطرقات الترابية التي فاقت العشرين معبراً. لكنّ المعادلة انقلبت حين أصبح التهريب من سوريا إلى لبنان هو الأنشط والأقوى، وهو يشمل عمليات تهريب الأدوات الكهربائية والمواد الغذائية والخضر. ويعود السبب إلى انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي، وارتفاع قيمة الليرة السورية أمام الليرة اللبنانية منذ أوائل التسعينيات. أضف إلى ذلك الارتفاع الكبير لأسعار السلع الاستهلاكية والمحروقات في لبنان مقابل انخفاض الأسعار في سوريا. كلّ ذلك دفع المهرّبين إلى تنشيط هذه التجارة بوتيرة متسارعة، فزوّدوا الأسواق المحلية والمواطنين بما يحتاجون إليه في قرى منطقة راشيا، خصوصاً مادتي المازوت والغاز اللتين لا تزالان تلاقيان رواجاً كبيراً حتى اللحظة.
لكنّ تراجع حركة التهريب اليوم على طول «خطّ» راشيا وجرودها، أدخل الأهالي في سلسلة من المتاهات التي لا أجوبة لها الآن. إذ يفوق حالياً سعر برميل المازوت في محطات المحروقات مئتي ألف ليرة، وهو يعني أنّ فارق السعر بين لبنان وسوريا يحرم المواطن في منطقة راشيا حاجات ضرورية أخرى تساعد على الاستمرار في الحياة.