تحلو «الكزدورة» هذه الأيام على الساحل اللبناني، حيث تعبق الروائح العطرة المتصاعدة من بساتين الحمضيات المنتشرة على طول السهول من الشمال إلى الجنوب. تلك الرائحة التي «يدمنها» الكثيرون ويترقبون مواسمها، فتنساب شعراً لدى بعضهم، وتتدفق مقطّرات وعصائر ومربّيات لدى البعض الآخر. ففي مثل هذه الفترة من كل عام، تنهمك النسوة باستثمار ثروات بساتين الحمضيات من الزهر إلى الثمر. تنتشر ورش استخراج ماء الزهر من زهر البوصفير، وهي الجارية أصلاً على قدم وساق منذ شهر شباط الفائت، وتستمر حتى نهاية الشهر الحالي. تقطف الزهرات، وتبدأ رحلة تقطيرها بإضافة المياه، لتحفظ بعدها في غالونات وقنان زجاجية. وإلى جانب تصنيفه كمهدئ للأعصاب ومساعد على الاستفاقة من حالات الإغماء، فإن حلاوة مذاق ماء الزهر ورائحته العطرة تجعلانه مصدراً أساسياً لصناعة الكثير من الحلويات التراثية كالقطايف والكعك والمهلبية والقربان، الذي تنتشر صناعته هذه الفترة لتقديمه في الكنائس في عيد الفصح. ومن المشروبات التي يدخل فيها ماء الزهر أيضاً القهوة البيضاء، التي تصنع من ماء مغلي يضاف إليه السكر وماء الزهر على نار هادئة، ليقدم ساخناً كسائل مهضم ومهدئ.
ومن زهر الليمون أيضاً، تصنع النسوة المربىات المكونة من الأزهار والسكر وعصير الحامض، حيث توضع في الماء المغلي حتى تذبل قبل أن تبرّد في وعاء ماء آخر وتنقع لمدة يوم كامل. ثم ترفع الأزهار من الماء ويضاف اليها السكر وتترك لمدة شهر، من بعدها تغلى لمدة ربع إلى نصف ساعة من دون تحريك، ويضاف إليها ملح حامض الليمون وعصير الحامض. لاحقاً، ترفع الزهرات من السائل وتعاد اليه بعد غليه لمدة نصف ساعة. ويستخدم هذا المربى لتزيين الحلويات، ويمكن أن يحفظ حتى ثلاث سنوات.
أما مربى البوصفير، فيصنع من قطع قشره المطبوخ في القطر والمعروف بمحفوظ قشرة البوصفير، الذي يقدم كحلوى أو يغطى بالشوكولا. ومن الثمرة ذاتها، يصنع الشراب السميك المكثف المحلّى البرتقالي. وهو الشراب الأسهل صنعاً، ولا يتطلب وقتاً طويلاً، إذ يكفي غسل حبات البوصفير وتنشيفها وتقطيعها إلى نصفين، ومن ثم عصرها باليد، إذ لا ينصح باستعمال معصرة الحامض حتى اليدوية منها لمنع مرارة القشرة من الانتقال الى العصير، بل يمرر العصير في مصفاة ناعمة ثم يضاف اليه السكر ويغلى قبل أن يسكب في قنان زجاجية معقمة. وبالطريقة ذاتها، يمكن تصنيع الشراب من أنواع عدة من الحمضيات، كالحامض والأفندي والبرتقال، ومزجها مع بعضها البعض. وميزة عصير البوصفير طعمه الرائع في بعض الأطباق، ولا سيما طبق «الفول المدمس وبعض أنواع السلطات»، كذلك يستعمل لإعداد بعض الطبخات التقليدية مثل الكبة الأرنبية.