لم يعد «النقّ» هو سمة المزارعين والفلاحين في البقاع. فعلى ما يبدو، وجد هؤلاء ضالتهم في فتح آفاق جديدة لا تشبه زراعة البطاطا الخاسرة دوماً. وجدوا على الأقل بدائل لم توفّرها الدولة، ومنها «تربية النعام».
هكذا، بدأت تنتشر مزارع تربية «أكبر طائر على الكرة الأرضية» في عدد من قرى البقاع، نظراً إلى كونها «مشروعاً استثمارياً رابحاً»، ثبتت جدواه الاقتصادية. وبحسب العارفين بأحوال هذا القطاع «فقد تخطى بأرباحه سائر المشاريع الزراعية المتعلقة بتربية الحيوانات والدواجن». هذه الخلاصة وصل إليها محمد ياسين، صاحب مزرعة تربية طيور النعام في أعالي بلدة اللبوة في البقاع الشمالي. وهو المشروع الذي تخطى عمره أربع سنوات في البقاع، بعد الخسائر الفادحة التي لحقت بمزرعة ياسين لتربية النعام في الجنوب خلال حرب تموز في عام 2006.
وفي هذا الإطار، يوضح علي ناصر الدين، المهندس المشرف على المزرعة الضخمة في اللبوة التي تضم أكثر من 200 طائر، أن قطاع تربية النعام «حيوي وينتظره مستقبل واعد إذا ما اهتمت الدولة وشملته برعايتها». وهو «ناجح» في البقاع أيضاً، لأن «بعض متطلباته وفّرتها طبيعة البقاع الشمالي ومناخه، المناسبان لتربية هذا الطائر».
هذا المشروع، الذي كان يقتصر على القليل من المغامرين، «يشهد اليوم رواجاً لدى عدد من المزارعين في البقاع الذين أنشأوا مزارع لتربية النعام، بعدما تبين لهم أن المشروع مربح سواء استهلاكياً داخل الأراضي اللبنانية، أو خارجياً لتلبية الطلب الصناعي والغذائي والصحي عليه من قبل دول الخليج العربي»، كما يقول.
الطائر الذي يتعدى طوله المترين، والذي ينفرد بين الطيور بمميزات عدة، منها عدم قدرته على الطيران والعدو السريع، يكاد يستثمر بالكامل، «ولا يرمى منه شيء»، بحسب ناصر الدين الذي أشار إلى أن الربح الكبير الناتج من تربية النعام يعود إلى أن لحمه الطري يصل سعر الكيلو منه الى عشرين دولاراً أميركياً، فيما تباع «الريشة البيضاء الواحدة منه بسعر 3 دولارات، أما الريش الأسود (الذكر) والرمادي (الأنثى)، فيباع بالكيلو وسعره 300 دولار». ليس هذا فحسب ما يستثمر في النعام، فجلد الطائر يُعَدّ الأغلى؛ لأنه الأجود وسعره يناهز 300 دولار أميركي أيضاً، فضلاً عن الدهون المستخرجة من تحت جلده التي تستخدم في تصنيع المستحضرات الطبية والكريمات التجميلية، وأهداب عينيه. أما البيض، التي يصل وزن الواحدة منه إلى كيلوغرام ونصف، فيباع سواء للأكل أو للزينة، في حين أن ظفر قدمه يستخدم لصقل الماس، أما عظامه فتستعمل لزخرفة أواني المطبخ.
قد يظن البعض أن كلفته الإنتاجية باهظة جداً نظراً إلى الربحية العالية، لكن ناصر الدين يؤكد أن الدراسات الاقتصادية التي أنجزت بشأنها أظهرت أنها «أوفر من غيرها من مشاريع تربية الأبقار والدواجن»، شارحاً أن سعر طائر النعام يراوح بحسب عمره بين 500 دولار وألفين. أما بالنسبة إلى العلف، ففي الوقت الذي تحتاج فيه البقرة إلى 10 كيلوغرامات علف يومياً، فإن طائر النعام يزيد وزنه كيلوغراماً إذا تناول كيلوغرامين من العلف، إضافة إلى أنه يعطي في ربيع كل عام ما بين 50 و70 بيضة، منها ما يفقس صيصاناً، ومنها ما يباع للأكل أو الزينة، بحسب ما يؤكد ناصر الدين.
بعيداً عن اللبوة، توجد مزرعة أخرى في بلدة برقا وثالثة في سهل بلدة إيعات الخصب. صالح البزال، صاحب المزرعة الأولى، مزارع اتخذ قراره بالتخلي عن الزراعات التقليدية والانتقال إلى تربية النعام لأنها «الأنجح». وعمد إلى تجهيز مزرعته بالطيور والفقاسات والحاضنات للصيصان ليبدأ مشواره الذي يرى أنه «مناسب ومربح وتحتاجه قرى البقاع وبلداته».
مع ذلك، لا ينفي البزال وجود مشاكل تعترض مشروع تربية النعام، «ومنها ارتفاع درجات الحرارة خلال فترة تفقيس الصيصان، الذي ينبغي مواجهته بالتكييف وغرف تبريد في المزرعة». أما المشكلة الأكبر، فهي «في عدم اهتمام الدولة، من خلال المساعدة في دعم سعر الأعلاف الذي استثنتنا منه وزارة الزراعة أخيراً، عندما وزعت أعلافاً على مربي الأبقار والمواشي في البقاع»، مضيفاً أن أسعار العلف ونتيجة الأزمة السورية ارتفعت بنسبة كبيرة، حيث تخطى سعر الطن 400 دولار أميركي، في الوقت الذي كان لا يتعدى 400 ألف ليرة في وقت سابق.
من جهته، رأى ناصر الدين أن ثمة مسؤولية على عاتق وزارة الزراعة تتمثل في توفير مكاتب إرشاد زراعي لكافة المشاريع الزراعية في المنطقة، إضافة إلى إقامة دورات تدريبية لأطباء بيطريين قد يساعدون في مواجهة أي مرض قد يطاول طيور النعام، ومنها الطاعون.