تقصد محطّة بنزين لتعبئة وقود لسيّارتك. يستقبلك العامل فيها: «أهلاً يا باشا». يسألك عن المبلغ الذي تودّ أن تملأ به وقوداً. تُجيبه، فيرفع يده الى العدّاد لتبدأ عملية ضخّ البنزين. أثناء ذلك يحضر عاملٌ آخر، يُرحّب بك بحرارة ويمسح زجاج السيّارة قبل أن يبدأ بممازحتك. يُنهي الأول عمله ويتبعه الثاني. تدفع المال وتغادر. هذا المشهد تكرر لأشهر عديدة مع معظم زبائن المحطة قبل أن يكتشف أحد الزبائن تلاعب العاملين بعدّادات البنزين.
يتحدّث مدير المحطة المذكورة لـ«الأخبار» فيذكر أن أحد أصدقائه مرّ ليملأ خزّان سيّارته بالوقود من محطّته. فصودف أن كان أمامه أحد الزبائن. فسمع الزبون الذي وصل قبله يطلب أن تُملأ سيّارته بخمسين ألف ليرة لبنانية، لكنه فوجئ عندما رأى العامل يوقف العدّاد عند مبلغ 40 ألف ليرة ليُغلق قفل خزّان الوقود، ملوّحاً للسائق بيده كعلامة انتهاء التعبئة.
حان دور صديق مالك المحطة، فطلب من العامل أن يملأ سيّارته وقوداً بمبلغ خمسين ألف ليرة قبل أن يبدأ بمراقبة ما يجري دون أن يُشعره بذلك.
وبالفعل، كرّر العاملان ما قاما به مع الزبون السابق ليسرقا ثمانية آلاف ليرة هذه المرّة. لم يعترض الزبون، بل اتصل على الفور بمالك المحطة ليخبره بما رأى. لم يُهمل صاحب المحطة الأمر، وخصوصاً أنه لاحظ انخفاض عدد زبائن المحطة في الفترة الأخيرة. قصد المحطة ليراجع أشرطة تسجيل كاميرات المراقبة المثبّتة فيها، فتبيّن أن العاملين يتلاعبان بالعدّاد مع جميع الزبائن. ولوحظ أن الفتيات كنّ عرضة للسرقة أسهل من غيرهنّ، لأنهنّ لا يراقبن عداد البنزين.
أما في ما يتعلق بالزبائن الرجال، فإن عملية الاحتيال أصعب بقليل، إذ يتعاون العاملان معاً، فيعمد الأول الى تعبئة البنزين، فيما يتولى الآخر إلهاء الزبون بالتحدث معه أو بمسح زجاج سيارته ليحجب عنه رؤية العداد كي يسمح لزميله بإيقافه دون أن يلاحظه الزبون.
قصد مالك المحطة أحد مراكز قوى الأمن للادّعاء على العاملين لديه، فحضرت القوى الأمنية وأقفت اثنين من العمّال. بدأت عملية الاستجواب فاعترف الاثنان بما نُسب إليهما.
يذكر مدير محطة البنزين الكائنة في منطقة كسروان أنه فوجئ بالعاملين اللذين يعملان لديه منذ حوالى أكثر من سنتين عندما اكتشف أنهما يسرقان زبائنه بطريقة منظّمة. ويذكر مدير المحطة الذي رفض الكشف عن اسمه أن أحد العاملين يتمتع «بشعبية عالية لدى الزبائن»، فهو يتودّد إليهم كثيراً ويلقي على مسامعهم النكات. وقد بدأ مدير المحطة المذكورة بمراجعة تسجيلات الكاميرات في باقي المحطات العائدة له، لافتاً إلى أنه سيتخذ تدابير جديدة لمراقبة العمال الجدد كي لا يخسر الزبائن.
يذكر أنها ليست المرّة الأولى التي يتقدّم فيها مالكو محطات وقود بادّعاء على عاملين لديهم بجرم السرقة والتلاعب بعدّادات البنزين.
الآن لم يعد ارتفاع سعر صفيحة البنزين الهمّ الوحيد الذي يشغل بال المواطن، بل صار التأكد من عدم التلاعب بكمية الوقود التي دفع ثمنها هاجسه الأكبر.