قضية تأليف حكومة جديدة تسبق، في الوقت الحالي، نقاشات وتصريحات ترى أن الحكومة اللبنانية، مهما كان لونها ورئيسها، غير قادرة على سحب القضاة اللبنانيين من المحكمة الدولية، وغير قادرة على سحب التعاون مع المحكمة الدولية أو عدم الاعتراف بما يصدر عنها. من الأصوات التي ارتفعت، تصريحات إعلامية أطلقها أمس النائب السابق صلاح حنين، معتبراً أن لا سلطة للقضاء اللبناني على القضاة اللبنانيين في المحكمة الدولية، مشدداً على أن الحكومة اللبنانية لا تستطيع إلغاء قرار دولي، وبالتالي لا تستطيع إلغاء المحكمة. وقد شدد حنين، في حديث الى إذاعة «صوت لبنان»، على أنه لن يكون هناك أي تأثير على المحكمة الدولية، وإذا قامت الحكومة المقبلة بأي خطوة لإلغاء بروتوكول التعاون معها فإنها ستضع لبنان في مواجهة مع المجتمع الدولي، وهو لا يملك القدرة على التعامل مع مواجهة كهذه. ورأى أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وجهازه عيّنوا القضاة، وأضاف إن «حركة أمل وحزب الله أقفلا المجلس النيابي»، لذلك لم تخرج الاتفاقية من المجلس، ورأى أن «هذا التعطيل» أخرج لبنان كطرف في المعاهدة، فأُقرّت بموجب قرار عن مجلس الأمن صدر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وأضاف حنين إننا كلبنانيين ملتزمون بموجب الدستور بمواثيق الأمم المتحدة.
لكن بعيداً عن الجدل السياسي، ما هي القراءة الدستورية لهذه القضية؟
الدكتور محمد طي، أستاذ القانون الدستوري، يذكر بأن مجلس القضاء الأعلى اقترح عدداً من القضاة اللبنانيين على الحكومة، التي رفعت بدورها أسماء بعضهم إلى الأمين العام للأمم المتحدة، فاختار أربعة منهم للمحكمة. ولفت طي إلى أن لمجلس القضاء الأعلى سلطة على القضاة غير المستقيلين من السلك القضائي في لبنان، وإن لم تكن سلطة متعلقة بالذات بمسألة سحب القضاة من المحكمة. ويعود طي إلى ظروف إنشاء المحكمة، من خلال قراءة دستورية، فيقول إذا كان مجلس الأمن قد استند الى اتفاق مع الحكومة اللبنانية، إلا أنه لم يبرم حسب الأصول الدستورية، شارحاً أن عقد الاتفاقيات الدولية يبدأ من رئيس الجمهورية. لكن في تلك الفترة، جرى تجاوز موقع الرئاسة الأولى. ويضيف طي إن موافقة مجلس النواب على الاتفاقية واجبة لسببين، الأول أن لبنان يدفع أموالاً كمساهمة في ميزانية المحكمة. السبب الثاني هو أن الاتفاقية مع المحكمة هي لثلاث سنوات قابلة للتجديد، وما دامت ليست اتفاقية سنوية (قابلة للتجديد) فإنها من صلاحيات مجلس النواب.
ويرى طي أن الاتفاقية لم تطرح في مجلس النواب لأنها أتت بطريقة غير دستورية «وليس لأنه مقفل، فحلّ مجلس الأمن مكان السلطات اللبنانية المختصة، وهذا أمر غير جائز». ويتحدث طي عن بعد آخر في هذا الإطار، فيذكر أن اجتهادات المحاكم، ولا سيما محاكم الاتحاد الأوروبي «منذ 1996، بقرار بوسفورس، ثم سنة 2008 بقرار يوسف والقاضي، ثم بقرار عيادي وحسن، ثم بقرار عثمان عام 2009، أبطلت هذه المحاكم تطبيقات قرارات مجلس الأمن المتخذة تحت الفصل السابع»، وأضاف طي «أيّد هذا الأمر الفقه الدولي الأوروبي، وأعطى الأولوية لحقوق الإنسان الأساسية على قرارات مجلس الأمن، وكذلك طالب المدعي العام لمحكمة العدل الأوروبية بأن تُعطى الأولوية لاتفاقيات عديدة على قرارات مجلس الأمن. كل هذا إضافة إلى أن القواعد الآمرة في القانون الدوليjus cogens تعطي الأولوية» على الاتفاقيات الدولية حسب اتفاقية قانون المعاهدات لسنة 1969، المادة 53. وختم الدكتور طي «إذاً، يمكن التصدي لتطبيقات قرارات مجلس الأمن عندما تخالف القواعد الآمرة، ومنها حق الشعوب في تقرير مصيرها، والسيادة الوطنية التي تشكّل السلطة القضائية جزءاً لا يتجزأ منها».
(الأخبار)