تكثر ظاهرة الاعتداء على رجال قوى الأمن الداخلي أثناء إزالتهم مخالفات البناء. يعترض المخالفون عمل الدورية. يتهجّمون على عناصرها فيعتدون عليهم بالضرب وأحياناً يشهرون الأسلحة الحربية في وجوههم. أمام هجوم مخالفي القانون يتراجع حماة الأمن ويعودون أدراجهم خائبين. الاعتداء على رجال قوى الأمن لا ينحصر بحالات قمع مخالفات البناء، بل يتعدّاه ليطال محرّري محاضر الضبط منهم، وأولئك الذين يُنفّذون حواجز سيّارة لقمع مخالفات الدراجات النارية وغيرها من الحالات المشابهة. الاعتداءات المستمرّة التي يتعرّض لها رجال قوى الأمن الداخلي أثناء تطبيق القانون قد تكون رادعاً لدى معظمهم فتُثنيهم عن القيام بواجبهم. وأمام هذا الواقع تقف الأجهزة الأمنية عاجزة لا تستطيع شيئاً. فالمعتدون يراهنون حيناً على التدخّلات التي تُبقيهم بمأمن من المحاسبة بفعل الواقع القائم ويتلطّون أحياناً أخرى بمظلّاتٍ حزبية، ربما لا وجود لها، للإيحاء للقوى الأمنية بوجود دعم مفترض يحول دون ملاحقتهم. «الأخبار» تقرع جرس الإنذار إيذاناً بخطورة الوضع لجهة التردّي الذي وصل إليه. فالأرشيف السنوي لدى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي يحفل بعشرات البلاغات الأمنية الواردة إليها لتسجّل نحو مئتي حالة مماثلة خلال السنتين الماضيتين. السيناريو متشابه في معظم الحالات، تُضبط المخالفة فتحاول القوى الأمنية قمع المخالفة لينتهي عناصرها، الذين لا ذنب لهم سوى أنهم حاولوا تطبيق القانون، مصابين وجرحى في المستشفى، ويُترك للفصيلة المعنيّة أمر فتح تحقيق لمحاسبة المعتدين دون أن يشكّل التحقيق القائم فارقاً لجهة ردع آخرين من تكرار ما حصل.
بدأ عام 2009 باعتراض عمل دورية في محلة صبرا أثناء قمعها مخالفات التبسيط وإزالة عربات الخضار المنتشرة في تلك المنطقة. فقد اعترض أشخاص مجهولون عمل الدورية واعتدوا على عناصرها بالضرب وشهروا أسلحتهم الحربية بوجههم. وقد أدّى الهجوم الى إصابة العريف علي ص. وحُطّمت الآلية العسكرية قبل أن ينتهي الأمر بفرار الفاعلين وانسحاب الدورية. حادثة أخرى سُجّلت في اليوم نفسه، ففي محلّة الأوزاعي تجمهر بعض النسوة أثناء قمع دورية من فصيلة المنطقة مخالفة لشخص من آل حجازي، ورشقوا عناصر الدورية بالحجارة والأخشاب ليمنعوهم من تأدية عملهم. الحادثتان المذكورتان لم تكونا الوحيدتين، فقد تكررت هذه الحوادث ليُسجّل العام المذكور حصول نحو 95 حالة اعتداء واعتراض عمل دورية على مختلف الأراضي اللبنانية. آخرها كان في محلة الأوزاعي أيضاً في آخر يوم من عام 2009، فقد تجمّع عدد من النسوة والأطفال في حي التلّة ومنعوا الدورية من قمع مخالفة بناء عبارة عن صبّ سقف غرفة. اعترضوا عمل الدورية التي لم يكن أمام عناصرها سوى الانسحاب من المحلّة المذكورة. عام 2010 لم يكن أفضل حالاً من سالفه، فقد تخطّت حوادث اعتراض عمل دوريات قوى الأمن المئة حادثة، تراوحت بين منع العناصر سلمياً من قمع المخالفة، مروراً بالاعتداء عليهم بالضرب، وصولاً إلى تهديدهم بالقتل. وأبرز حالات الاعتداء التي حصلت عام 2010 كانت في نصف الشهر الأخير من العام، فأثناء قمع دورية من فصيلة بئر حسن مخالفة بناء عائدة لصافي د.، اعترض عدد من الشبان والنساء والأطفال، يحملون سكاكين عمل الدورية، ورشقوها بالحجارة والزجاجات الفارغة، ما أدى إلى إصابة رقيب أول بحجر في ظهره. تطوّر الأمر، فانتقل آمر الفصيلة للكشف ومساندة الدورية المكلّفة إزالة المخالفة، فاعترضهم عدد من الأشخاص في المحلّة، يحملون عصيّاً وسكاكين وبرفقتهم كلاب شرسة، ورشقوا الدورية بالحجارة، ما أدى إلى إصابة كل من آمر الفصيلة والدركي علي ط. بحجر على رأس كل منهما، ما استدعى نقلهما إلى المستشفى. وذكر شاهد عيان أنه لولا إطلاق أحد عناصر الدورية النار في الهواء مرّات عدة لما تفرّق المعتدون أو توقّفوا عن هجومهم.
في هذا السياق، يذكر مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار» أنه رغم أنّ وظيفة عناصر قوى الأمن الداخلي هي السهر على أمن الناس وحماية أرواحهم وممتلكاتهم، فإنّ هؤلاء غالباً ما يكونون وممتلكاتهم ضحية هذه التهديدات والاعتداءات، ويضيف على الحالة السابقة أخرى مشابهة لها، فيذكر أن آمر فصيلة الشويفات الرائد جورج منصور قد تعرّض لتهديد بالقتل بسبب إزالته مخالفة بناء أيضاً. ويشير المسؤول المذكور إلى أن المخاطر والاعتداءات ضريبة المهنة التي اختارها الساهرون على أمن المواطن.



«هيبة» الدولة فوق كل «الهيبات»

حالات الاعتداء على عناصر قوى الأمن الداخلي أثناء قمعهم مخالفات البناء تكاد تُصبح عادة ينتهجها معظم المخالفين إذا أرادوا تشييد غرفة مخالفة أو ما شابه. الحالة الراهنة تفرض تحرّكاً للحفاظ على «هيبة هؤلاء العناصر، الذين يجب أن تكون هيبتهم فوق كل الهيبات»، يقول مسؤول أمني رفيع، ويضيف: «الاعتداءات التي يتعرّض لها العسكر أثناء قمع المخالفات تؤسّس لقضية عدلية يلاحَق عليها المعتدون في وقت لاحق». ويتحدّث المسؤول الأمني لـ«الأخبار» أنّ المقياس هو هيبة الدولة، الذي يكون في الحالات الطبيعية رادعاً للمواطنين، لكنه يلفت إلى أنه في بعض المناطق تفتقد القوى الأمنية هذه الهيبة المفترضة بسبب سيطرة قوى أُخرى.




لقطة

أبرز حالات الاعتداء التي طاولت القوى الأمنية جرت أثناء قمع دورية من فصيلة بئر حسن مخالفة بناء لشخص من آل د. ففي حينه، تعرّض عناصرها لاعتداء من الأشخاص المخالفين. أُصيب بعضهم بجروح، ونُقل آمر فصيلة بئر حسن الملازم أول علي الضيقة إلى المستشفى، إثر إصابته بحجر في رأسه، أدى إلى فقدانه الوعي. لم تنته المسألة عند هذا الحدّ، بل استعان صاحب المخالفة بعائلتين معروفتين لتصفية حسابه مع الضابط المذكور. وقد بدأت عملية ترهيب منظّمة، إذ بدأ مجهولون يتّصلون على رقم هاتفه ورقم المركز ويتوعّدونه بالقتل إن هو بقي في مركز فصيلة بئر حسن. ولم يقف المهدّدون عند حدّ الاتصالات، بل ألقى بعضهم زجاجة مولوتوف حارقة أمام مبنى الفصيلة اشتعلت دون وقوع إصابات.