تعرض فاطمة بدير منتجات حقلها في زاوية من سوق الاثنين في النبطية يؤمّها القاصي والداني. فهي الزاوية المخصصة للخضار، يتّجه زبون السوق نحوها ليشتري منتجات يطمئن إلى خلوّها من الأسمدة الزراعية. ولطالما كانت هذه الخضار تأتي بمجملها من حقول كفررمان، جارة النبطية من ناحيتها الشرقية. لذلك، يعرف رواد السوق الزاوية الزراعية بزاوية «الخضرة» أو «خضرة كفررمان»، مع العلم بأن فيها عدداً، ولو محدوداً، من المزارعين الذين يأتون من ناحية الزوطرين الشرقية والغربية، أو من يحمر وعدشيت. لكن «السمعة» الغالبة تظلّ لكفررمان عرفاً، مع العلم أيضاً أن مزارعي كفررمان الذين كانوا «يبسّطون» في السوق في ما مضى، كانوا يتجاوزون خمسين مزارعاً، بينما لم يعد عددهم يتجاوز أصابع اليدين اليوم، مع قلة قليلة من مزارعي بعض قرى النبطية، ممن لا يزالون يؤثرون جميعهم بيع منتجات مواسمهم بأنفسهم، بدلاً من بيعها لأصحاب «الحسب» والدكاكين، «لأن سعر الجملة قد لا يصل إلى ربع المبيع، وبالتالي فإن جهدنا وتعبنا يذهب إلى البائع ولا نسترد بذلك حتى ثمن الكلفة»، يقول المزارع حسين حمزة من كفررمان، إلا أن اسم الزاوية لا يزال هو نفسه. في تلك الزاوية، لا يمكن رصد خضار ذابلة. إنها «الخضرة» الأكثر حيوية على الدوام، وبهذا المعنى، هي اسم على مسمّى. ومن يلج سوق الخضار في السوق، تزكي أنفه الروائح المنبعثة من هنا وهناك، خليط من رائحة البصل الأخضر والبقدونس والكزبرة والنعناع والفجل والهندباء، إلى الصعتر الأخضر و«صعتر الدقّة» والرشاد والروكا، الفلفل الحار والحلو، فضلاً عن بعض البقول البرّية التي بات لها روادها ممن يطلبها ويرغبها مثل «العلت» و«الخبيز»، «الشومر»، «الصيفي»، فضلاً عن «الدردار» و«العنّة»، و«القرّة» و«الجرجير».
ويمثّل الجزر الأحمر الآتي من سهل الميذنة، سهل كفررمان الغزير بمياهه، الثمر الأكثر إغراءً في هذه السوق، فهو حلو، نادر ومميز، ولم تعد زراعته منتشرة بشكل واسع، إذ يحتاج إلى مزارعين متخصصين وأرض«خشيش» تحتوي على حصى ورمول، بينما يقتصر موسمه على الفترة الممتدة بين كانون الأول وشباط. أما سعر الكيلوغرام الواحد منه فيراوح بين ألفي ليرة و2500. وهو متميز عن الجزر الأحمر السوري، الموجود كذلك في السوق، لكن طعم الأخير مختلف ولونه سرعان ما يتحلل على الأيدي.
وبينما تحلّ في الموسم الصيفي البامية والملوخية الخضراء والفرفحين (بقلة) والفول الأخضر واللوبياء والفاصولياء والبندورة البعليّة والكوسى والباذنجان ضيوفاً ناعمة على الزاوية، تغذّي السوق في جميع المواسم منتجات زراعية يابسة، منها البصل الأبيض والفاصولياء وغيرها.