مقنة، هي تلك البلدة التي تترامى على مساحة كبيرة تقدّر بـ28 مليون متر مربع، بين قرى يونين وشعث والكنيسة ودير الأحمر وإيعات وبعلبك، والتي كانت تحتاج إلى «كلّ شيء» على صعيد الخدمات. وعلى الرغم من أن بلديتها غير مستحدثة، بل من البلديات القديمة (عام 1947)، لم يطاولها الإنماء، فبقيت على حرمانها كما قرى كثيرة في المنطقة تتمتع بوجود بلديات فيها منذ عقود طويلة، فلا مياه شفة أو ريّ، ولا حتى طرقات داخلية.لا يوافق رئيس بلدية مقنة فادي المقداد على إلقاء اللوم دائماً على الدولة. النظرة عنده مختلفة بعض الشيء، صحيح أن الدولة أهملت المنطقة، لكنه في المقابل يرى أن المشكلة تكمن أيضاً في «البلديات غير المنتجة التي كانت للوجاهة فقط». يستعرض العديد من البلديات الصغيرة التي أنجزت مشاريع على الرغم من ضآلة موازناتها المالية، في مقابل أخرى كبيرة «لم تتمكن من إنجاز أي شيء»، مشدّداً على أن «شيئاً لم يتغير في نحو 95% من بلديات المنطقة. وإذا أمعنت النظر فيها لا يسعك إلا أن تتحسّر. هذا حرام شرعاً، ولا يجوز تولي سواء من في الرئاسة أو العضوية مهمة حاجب في البلدية»، مستنداً في رأيه إلى غياب الحسّ بالمسؤولية لدى من يتولّون هذه المهمّات، إضافة إلى غياب الرؤية، «بعض رؤساء البلديات يبنون حائطاً ويهدّونه، ويعيدون بناءه عشر مرات منفقين ميزانية ضخمة من دون أن ينتجوا شيئاً» يقول المقداد. هي «مشكلة كبيرة» بحسب رأيه، وما زالت موجودة اليوم، موضحاً أن «الأطراف السياسية ليس في بعلبك ـــــ الهرمل فقط، بل في لبنان بأكمله، تتحمل مسؤوليتها»، فعندما يكون المعيار الأساسي للترشح للانتخابات إما «ولاء الجبّ الفلاني أو العائلة الفلانية لحزب أو تيار أو تنظيم ما، أو عدد ناخبي الجبّ، أو حضور الشخص إلى مأتمنا، وبدورنا نردّها له بانتخابه، من دون النظر إلى أن هذا الشخص يعمل أو لا يعمل، نكون بذلك كمن يقول ضيّعنا كرجتنا وكرجة الحجل».
ويرى المقداد أن المعيار في العمل البلدي هو «إنجاز المشاريع الخدماتية التي ترفع المعاناة عن كاهل الناس»، مشدّداً على أنه «لا يسمح لنفسه بأن يكون موضوع منافسة وكسر وجود لأحد، لكنه يسعى إلى هدف واحد فقط إنمائي خدماتي لأهل بلدته مقنة»، مستشهداً بما أنجزته البلدية، على الرغم من موازنتها التي لا تتعدى 200 مليون ليرة (15 عضواً). فهي تمكنت منذ عام 1998 من استغلال المبلغ المتواضع الباقي منه 50%، (100 مليون نفقات الإدارة والموظفين والنفايات)، لإنجاز عدد من المشاريع الخدماتية، «وبالاستناد إلى ملاحقتنا لجهات مانحة»، الأمر الذي خلق ارتياحاً لدى الأهالي تجاه البلدية. ومن المشاريع التي نفّذت تعبيد سائر طرقات البلدة (65 ألف متر مربع)، وإنجاز مشروع مياه الشفة بكلفة 400 مليون ليرة، أسهم «حزب الله» فيه بمبلغ 40 مليون ليرة، تجميل الأوقاف في البلدة وإنشاء سور للمقبرة وبناء مصلّى، إنارة الطرقات وشراء سيارة بيك ـــــ آب لنقل النفايات ما لبثت البلدية أن حوّلته إلى صهريج لنقل المياه بعد شراء شاحنة كبيرة لنقل النفايات، وإضافة إلى ذلك حفر «حزب الله» أيضاً بئراً على نفقته، في الوقت الذي تولت فيه البلدية تنفيذ الوصلات المنزلية الفرعية وفق دراسة، وبالتنسيق مع مديرية الاستثمار في وزارة الطاقة والموارد المائية والكهربائية، بحسب المقداد.
المشاريع التي نفّذتها البلدية ظهرت مؤشراتها الإيجابية لدى الأهالي في انتخابات عام 2004، حيث تفوقت لائحة المقداد على اللائحة المنافسة بنتيجة 11/4، وكان «حزب الله» حينها «يقف على الحياد في العملية الانتخابية»، كما يشير المقداد. لتبدأ من بعدها مشاريع الولاية الثانية بمشروع الصرف الصحي الذي أنجزت دراسته، إلا أنه لا يزال حتى اليوم في مجلس الإنماء والإعمار بغية توفير التمويل له، وبالحصول على تمويل من اتحاد مقاطعة برشلونة عام 2008، لحفر بئر عند أطراف البلدة وتجهيزها بكافة مستلزماتها من مولّد وخزان جرى توصيله بالخزان الرئيسي للبلدة، وقد بلغت كلفتها 225 ألف دولار، وبقدرة إنتاجية وصلت إلى 80 متراً مكعباً بالساعة.
ومن المشاريع التي أنجزتها بلدية مقنة بحسب رئيسها، قناة ريّ رئيسية من بلدة نحلة إلى مقنة تستفيد منها سهول مقنة، دير الأحمر، الكنيسة، والتمويل من وزارة الطاقة وبكلفة 550 مليون ليرة، وجدران دعم في منطقة وادي مقنة بتمويل من البلدية، في الوقت الذي تولت فيه الهيئة الإيرانية تعبيد الطرقات هناك، إضافة إلى تنفيذ البلدية مشروع جسر نهر الشاغور، الذي يصل منطقة الكروم بالبلدة، ضمن إطار تجميل وادي مقنة الأثري، وقد بلغت كلفته 200 مليون ليرة. أما مشروع مسبح ومجمع مقنة السياحي العام، فهو قيد الإنجاز بتمويل من اتحاد بلديات بعلبك.
هذه المشاريع كانت لرئيس بلدية مقنة «السند الحقيقي» في المعركة الانتخابية الأخيرة، التي تمكن فيها بمساعدة غالبية أبناء بلدته من الفوز على لائحة تحالف «حزب الله» و«حركة أمل». ويرى المقداد أن «الفراق مع حزب الله، كان على مستوى التحالف فقط» من دون أن يغفل ذكر بعض المشاكل، منها ما هو داخلي ومنها ما يتعلق بمشاريع للبلدية. لذلك برز الانقسام في الاستحقاق الانتخابي، واتخذ قراره بخوض معركة انتخابية بوجه اللائحة «حتى لا أدخل عارياً إلى مجلس بلدي لا أستطيع فيه التكلّم حتى مع موظف».
تجدر الإشارة إلى أن بلدية مقنة حققت فوزاً آخر تمثل في نجاحها في المباراة التي أجراها البنك الدولي على مشاريع ناجحة في المنطقة. ويوضح المقداد أن البنك الدولي عرض عام 2008 مبلغ تسعة ملايين دولار على القرى التي تضرّرت من جراء حرب تموز على مستوى لبنان بأكمله، أما بلديات قضاء بعلبك (15 عضواً)، فاستفادت من عرض قُدم إليها بمبلغ مليون و362 ألف دولار لمن يتقدّم بمشروع ناجح يفيد منه البلدات المحيطة به. المشروع الذي تقدّم به المقداد كان عبارة عن دراسة تؤكد حاجة المنطقة إلى مركز صحي ومختبرات تحاليل بيطرية. ويؤكد المقداد أن «تدخلات سياسية هائلة مورست بحقنا حتى لا نتمكن من الفوز بالمشروع، لكننا رفضنا إيماناً منا بأحقية مشروعنا الذي يرفع المعاناة عن مزارعين وفقراء في المنطقة».



«مشروع مديكوم»

جرى تلزيم مشروع «مديكوم» قبل الانتخابات البلدية عام 2010 وهو عبارة عن مركز صحي بأربع طبقات مع ملجأ شبه منجز. يحوي المشروع طبقة للتصوير الشعاعي الخاص بسرطان الثدي عند النساء وترقق العظم، وطبقة أخرى لتقويم الأسنان، إضافةً إلى طبقة ثالثة عبارة عن مركز تدريب لغات، وذلك نظراً إلى حاجة المنطقة إلى تدريس لغات في ظل ضعف اللغة عند طلاب المدارس الرسمية. أما الأهم في المشروع، فهو المختبر الخاص بالتحاليل البيطرية، الذي يحتاج إليه المزارعون ولا يقصدون بعدها مختبر الفنار أو سوريا عند أي تحليل بسيط، في منطقة زراعية بامتياز. فقد أثبتت دراسة بلدية مقنة بالاستناد إلى وزارة الزراعة وجود عشرة آلاف بقرة، و400 ألف رأس ماعز وغنم، وألف رأس خيل، إضافة إلى 3 ملايين طائر دجاج.