قبل عام 2004 كانت شركة «Dynamex» تصنّف السائقين العاملين لديها كموظّفين يتمتعون بكلّ الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الناتجة من عملهم. بعد ذلك اختلف الوضع، فقد قرّرت هذه الشركة الدخول في النظام الاقتصادي الجديد، (on-demand economy)، الذي خلقته شركات التكنولوجيا الحديثة. فغيّرت «Dynamex» سياساتها، وانتقلت إلى تصنيف عمّالها كمتعاقدين مستقلّين، علماً أن الوظائف التي يؤدّونها لم تتغيّر وطبيعة عملهم بقيت هي نفسها، وفق ما يقوله عمّال الشركة، الذين تقدّموا بدعوى جماعية ضدّ الشركة، واتهموها بالتحايل على القانون من خلال تصنيفهم كمتعاقدين مستقلّين (independent contractors) وليس موظّفين. في نهاية نيسان/ أبريل من العام الجاري، صدر الحكم في القضية عن المحكمة العليا في ولاية كاليفورنيا. وهو حكم اعتبره الكثيرون «تاريخياً». خلاصة الحكم أتت لمصلحة العمّال، وتوسّعت المحكمة في قرارها ليشمل كلّ العمّال في الولاية، إذ أقرت شروط يجب على الشركات إثباتها لتصنيف العمّال كمتعاقدين مستقلّين، وفي حال فشلوا في ذلك يُصنّف العمّال تلقائياً كموظّفين.

تعريف الوظيفة الدائمة
اعتمد قرار المحكمة على ثلاثة تعريفات بديلة لكلّ من مصطلحي «التوظيف» و«صاحب العمل»:
أولاً، «التوظيف... تحت (نظام الأجور)، لديه ثلاثة تعريفات بديلة هي: (أ) ممارسة الرقابة على الأجور أو الساعات أو ظروف العمل، أو (ب) تصريح/ ترخيص العمل، أو (ج) المشاركة، وبالتالي خلق علاقة عمل في القانون العام». تركّز المحكمة في قرارها على النقطة الثانية المتمثّلة بالترخيص للعمل، أي قيام العامل بعمله بمعرفة ربّ العمل، وتستنتج أنه «عند تحديد ما إذا كان العامل يُعتبر، وفق تعريف تصريح العمل، متعاقداً مستقلّاً لا ينطبق عليه نظام الأجور، يجب أن ننظر إلى معيار مشترك مُتعارف عليه بـABC test». يقوم هذا الاختبار على ثلاثة شروط أساسية يجب على الجهة الموظّفة إثباتها كلّها من دون استثناء ليعتبر العمّال متعاقدين مستقلّين لا تنطبق عليهم قوانين الأجور، وهي: «(أ) أن العامل حرّ من سيطرة وتوجيه الجهة الموظّفة في ما يتعلّق بأداء العمل بموجب عقد العمل وفي الواقع؛ (ب) أن العامل يؤدّي عملاً خارج المسار المعتاد للجهة الموظفة؛ (ج) أن العامل عادةً ما ينخرط في تجارة أو مهنة أو أعمال تجارية مستقلّة أخرى ذات طبيعة مماثلة للعمل الذي يتم إنجازه للجهة الموظفة». وعليه، تتمثّل الصعوبة الأساسية التي تواجهها الشركات والمؤسسات في النقطة (ب) التي سيصعب إثباتها، والتي تعني أن الشركة عليها أن تثبت أن العامل لا يمارس عملاً يعتبر في صلب العملية التجارية التي تقدّمها الشركة. على سبيل المثال، يشرح القرار أن «عندما يستأجر متجر بيع بالتجزئة سبّاكاً لإصلاح تسرّب في حمام داخل المبنى (...) لا تكون خدمات السبّاك جزءاً من مسار العمل المُعتاد للمتجر، وبالتالي لا تعني أن صاحب العمل سمح للسباك بتوفير الخدمات له كموظّف. لكن عندما تستأجر شركة لتصنيع الملابس خيّاطين للعمل في المنزل لصنع ثياب من القماش والأنماط التي توفّرها الشركة، والتي سيتمّ بيعها بعد ذلك من قبل الشركة،(...) فإن العمّال هم جزء أساسي في مسار العملية التجارية المعتادة، وهم موظّفون». يعلّق اتحاد العمل في كاليفورنيا أن هذه النقطة «تميّز بعناية بين شركة نقل لا يوجد لديها سائقون موظّفون (سوء التصنيف) وشركة نقل تتعاقد مع ميكانيكي (متعاقد مستقل)»، في إشارة إلى شركة «أوبر»، وكذلك شركة «Dynamex» نفسها، التي تقدّم خدمة التوصيل والاستلام (delivery and pick-up) في اليوم نفسه للأفراد، فضلاً عن تعاقدها مع شركات كبيرة تقوم بتوصيل منتجاتها واستردادها في شكل دائم. وعليه، في أعقاب هذا القرار القضائي، أصدر النائب العام لمدينة سان فرانسيسكو، دينيس هيريرا، نهاية شهر أيار/ مايو الفائت مذكّرات استدعاء رسمية لكلّ من«أوبر» و «ليفت» للتأكّد مما إذا كانت تصنّف سائقيها كموظّفين أم متعاقدين مستقلّين.

ما أهمية تصنيف العمّال؟
في 85 صفحة، تقدّم المحكمة مراجعة تاريخية للقضايا والقوانين التي تحدّد تصنيف العمّال كموظّفين أو متعاقدين مستقلّين، وتعتبر في مطلع قرارها أن من واجبها حسم الجدل الحاصل. تعلن المحكمة في متن قرارها أن «هنا يجب أن نقرّر المعيار المطبّق، بموجب قانون ولاية كاليفورنيا، في تحديد ما إذا كان يجب تصنيف العمّال كموظّفين أو كمتعاقدين مستقلّين لأغراض قوانين الأجور في الولاية، التي تفرض التزامات تتعلّق بالحدّ الأدنى للأجور، والحدّ الأقصى للساعات، وعدد مُحدّد من شروط العمل الأساسية (مثل الحدّ الأدنى من الوجبات المطلوبة وفترات الراحة) لموظّفي الولاية».
تقول المحكمة في شرحها لحيثيات القضية أنه «في عام 2004، حوّلت «Dynamex» كلّ سائقيها إلى متعاقدين مستقلّين بعد أن خلصت الإدارة إلى أن مثل هذا التحويل سيؤدّي إلى تحقيق وفورات اقتصادية للشركة (...) وطلبت منهم توفير سيّاراتهم الخاصة، ودفع كلّ تكاليف نفقات النقل الخاصة بهم بما في ذلك الوقود، ورسوم الطرقات، ورسوم صيانة المركبات والتأمين، بالإضافة إلى كلّ الضرائب والتعويضات».
وعليه، توضح المحكمة الفرق بين تصنيف العمّال كموظّفين أم متعاقدين مستقلّين، بحيث أن «تصنيف العامل كموظّف يرتّب على الشركة مسؤولية دفع ضرائب الضمان الاجتماعي وضرائب الأجور، وضرائب تأمين البطالة وضرائب العمل على مستوى الولاية، وتعويضات العمّال، والامتثال للعديد من القوانين والأنظمة التشريعية التي تنظّم الأجور، وساعات العمل، وظروف العمل، فيحصل العامل على الحماية التي توفّرها القوانين وأنظمة العمل السارية. أما إذا كان من الواجب تصنيف العامل كمتعاقد مستقلّ، لا تتحمّل الشركة أياً من هذه التكاليف أو المسؤوليات، ولا يحصل العامل على أي من مزايا قانون العمل، وقد يُطلب من الناس بموجب القوانين السارية تحمل أعباء مالية إضافية تتعلّق بهؤلاء العمّال وأسرهم»، وفق ما يرد في القرار.

العمّال vs شركات التكنولوجيا
الحكم الصادر عن أعلى سلطة قضائية في الولاية التي تحتضن «وادي السيليكون» silicon valley، المقرّ الرئيسي لأبرز وأهمّ شركات التكنولوجيا في العالم، يشكّل تهديداً جدّياً للنظام الاقتصادي الذي تسعى «سيليكون فالي» إلى ترسيخه، فهذا الحكم يتجاوز شركة «Dynamex» ليصبح تطبيقه واجباً على كلّ الشركات والأعمال التجارية. وقد تكثّفت ضغوط غرفة التجارة الأميركية وبعض شركات التكنولوجيا في الأسابيع الأخيرة، قبل انعقاد الجلسة النهائية للمحكمة، من أجل تعليق إصدار الحكم، ولا تزال تمارس الضغوط إلى اليوم على مكاتب الكونغرس في شأن هذا القرار.
تقول Bloomberg: «إن الشركات الرائدة في اقتصاد الطلب، بما في ذلك شركتا Uber و Lyft، تحاولان الضغط بهدوء على كبار الديموقراطيين في كاليفورنيا لإبطال أو تقويض الحكم القضائي (...) إمّا من خلال التشريع أو من خلال العمل التنفيذي من قبل الحاكم، وهي تحرّكات من شأنها أن تخلق جدلاً وطنياً حول حقوق وأدوار العمّال في اقتصاد الطلب الحديث، وما يجب أن يكون موقف الديموقراطيين تجاه شركات التكنولوجيا». وتنقل bloomberg أن تسع شركات هي Uber ،Lyft ،Instacart ،DoorDash ،Postmates ،TaskRabbit ،Square ،Total System Services و Handy Technologies وجّهت رسالة في تموز/ يوليو الفائت إلى وزير العمل وسكرتير مجلس الوزراء تقول فيها إن «حجم هذه القضية يتطلّب قيادة عاجلة»، مُحذّرة من أن الحكم «يخنق الابتكار ويُهدّد أرزاق الملايين من سكّان كاليفورنيا العاملين، معتبرة أنه «من دون تدخّل سياسي سوف تهلك الأعمال التجارية».
وعلى رغم أن القرار يطاول جميع الشركات، بما في ذلك المؤسّسات التقليدية وغير العاملة في مجال التكنولوجيا، إلا أن شركات التكنولوجيا التي تطوّر التطبيقات تُعتبر المعنية الأكبر، إذ يتمّ استخدام «تكنولوجيا الهواتف الذكية لتسريع هذا النموذج التجاري وتوظيف العمّال في تقديم الخدمات، من الرعاية المنزلية إلى النقل أو توصيل الطلبات والوجبات والقيام بأعمال الصيانة الكهربائية. في أغلب الحالات، يقوم هؤلاء العمّال بالعمل نفسه الذي يقوم به الموظّفون التقليديون ولكن من دون أي حقوق أو حماية»، يقول بيان اتحاد العمّال في كاليفورنيا.