حاول البعض إحباط عزيمة جان بول بلموندو في بداية مسيرته عبر القول إنّه لن ينجح أبداً في مجال التمثيل بمظهر كهذا، غير أنّ هذا الحكم لم يحل دون تحوّل الممثّل الذي توفي أمس الإثنين عن 88 عاماً إلى أحد عمالقة السينما الفرنسية. وبات في رصيده حوالي ثمانين فيلماً في خلال مسيرة امتدّت على أكثر من نصف قرن.تعدّدت أدواره على الشاشة من مساهماته في أعمال الموجة الجديدة إلى تأديته دور الشرطي أو الشرير في الأفلام الموجّهة لعامة الجمهور.
وُلد جان بول بلمونودو في 9 نيسان (أبريل) 1933 في كنف عائلة من الفنانين في نويي-سور-سين قرب باريس. وكان والده نحّاتاً معروفاً. أما الإبن، فكان يهوى إطلاق النكات ويحلم بخوض غمار التمثيل.
التحق بالكونسرفاتوار في خمسينيات القرن العشرين وشكّل مجموعة من الأصدقاء «مدى الحياة» مع جان روشفور وكلود ريش وبرونو كريمير وجان بيار مارييل.
وبعد أدوار صغيرة في المسرح والسينما، التقى بجان لوك غودار في لقاء حسم مصيره. كشف بلموندو في 2001 «هو الذي جعلني أحبّ السينما... قبل «مقطوع النفس»، قيل لي كثيراً إنني لم أكن جيّداً لدرجة جعلتني أشكّك في قدراتي». سطع نجمه بفضل هذا الدور الرئيس الأوّل له سنة 1960 إلى جانب جين سيبيرغ. وسرعان ما بات من أبرز نجوم السينما التي كان في السابق يتردّد في خوضها. وأصبح كما آلان دولون عملاقاً في السينما.
تتالت الأدوار والنجاحات. وبات من أبرز وجوه التيّار السينمائي المعروف بالموجة الجديدة («موديراتو كانتابيليه» و«بيارو لو فو»). ثمّ صبّ تركيزه على أفلام الكوميديا والمغامرات، متشاركاً البطولة مع أجمل نجمات السينما، من كاترين دونوف إلى صوفيا لورين مروراً بكلوديا كاردينالي وفرنسواز دورلياك. ربطته علاقات غرامية ببعضهنّ، كأورسولا أندريس ولورا أنطونيلي.
انتقل في فترة لاحقة إلى الأدوار التي تتطلّب أداء بدنياً، هو الذي كان يهوى الملاكمة في شبابه، مؤدّياً مشاهد مخاطرة وعراك بالأيدي من دون أيّ ممثّل رديف له. لعب دور الشرطي القوي وزير النساء المشاكس والشرير، في «بورسالينو» و«لو مانيفيك» و«فليك أو فوايو» و«لو بروفيسيينونل» و«لاس ديزاس».
وخلال أكثر من عشرين سنة، تخطّى 48 من أفلامه مليون مشاهدة إلى أن عُرض «سوليتير» سنة 1987 وشكّل أوّل فشل تجاري كبير له. فقد كان ذاك «فيلماً بوليسياً زائداً عن اللزوم. وقد سئمت الأمر وكذلك الجمهور»، على ما قال.
لكنّه تألّق مجدّداً في دوره في «إيتينيرير دان انفان غاتيه» لكلود لولوش (1988) الذي شكّل أحد أهم أدواره ونال عنه جائزة «سيزار» عن فئة «أفضل ممثل»، وهي جائزة امتنع عن تسلمها.
عاد بلموندو بعدها إلى شغفه الأول أي المسرح، إذ أدى بطولة مسرحيتي «كين» و«سيرانو» وأصبح مالكاً لمسرح «تياتر دي فارييتيه».
غير أنّ جلطة دماغية تعرّض لها سنة 2001 أثناء تصوير أحد الأعمال تسببت في مشكلات صحية كبيرة له وأبعدته عن الاستوديوهات بصورة شبه كاملة، باستثناء إطلالة يتيمة له في فيلم «أنوم إي سون شيان» (2008) لفرانسيس أوسيتر.
وقد احتلت أخبار حياته الخاصة عناوين المجلات الفنية. بعد طلاقه من ناتي، عادت مغامراته العاطفية إلى الواجهة إثر علاقته مع عارضة أزياء بلجيكية سابقة تصغره بعقود عدة، قبل أن ينفصلا سنة 2012.
نال بلموندو جائزة سعفة ذهبية شرفية في «مهرجان كان السينمائي الدولي» سنة 2011، و«الأسد الذهبي» في «مهرجان البندقية السينمائي» سنة 2016، ثم حصل على جائزة «سيزار» شرفية عن مجمل مسيرته سنة 2017 على وقع تصفيق حار من الحاضرين في الحفلة.
للممثل المعروف بمغامراته العاطفية الكثيرة أربعة أولاد، هم: باتريسيا (متوفاة)، فلورانس، بول وستيلا (مولودة سنة 2003 حين كان بلموندو في سن السبعين).