غالباً ما تركت السنوات التأسيسة الأولى للممثل السوري مهيار خضور مساحة وافية من الثقافة والاطلاع، كونه تربى على يدي صحافي وكاتب سوري معروف هو فايز خضور. هناك كان أمامه متسّع للقراءة والمعرفة والتزوّد من أهم الكتب والمسرحيات والأدب العالمي. لاحقاً ستجد موهبته ضالتها الأكاديمية في «المعهد العالي للفنون المسرحية» ومن ثم ستتوالى الأدوار الاحترافية في التلفزيون بمنطق تراكمي، وبناء متمهّل لا يتعجّل النجاح، بقدر ما يقصد التروي في تعميق التجربة! من جانب آخر، يمكن توصيف خضوّر بمنطق يخصّه دون غيره على الأقل من ناحية البنية الجسدية، وتوافق «فيزيك» الكثير من الشخصيات مع أمثاله دوناً عن غيرهم، خصوصاً إذا كان التوجه نحو الدراما التاريخية، التي سبق أن حقق فيها حضوراً مختلفاً. من ينسى شخصية «الإمام أحمد بن حنبل» التي أداها في مسلسل عن سيرته الذاتية؟ إضافة إلى شخصية البطل الشعبي التي غالباً ما تسند إليه في الدراما المعاصرة، باعتبار أن مثل هذه الشخصيات، يجب أن تكون قوية البنية، توحي بالصرامة والبأس، وهو ما يحققه خضور بامتياز.في اليوم الأخير من تصوير مسلسل «كانون» (كتابة علاء المهنا، إخراج إياد نحاس)، التقينا مهيار خضور الذي يؤدي الشخصية المحورية في هذا العمل ويسمى المسلسل على اسمها!
عن طبيعة هذه الشخصية، قال: «كانون بطل شعبي، صفاته تشبه صفات البطل الأسطوري بشكل أو بآخر، الشخصية مغرية جداً على الورق، وأخذت مني جهداً مضاعفاً لأقدمها بشكل يليق بالمشاهد». من ناحية ثانية، يستغل خضور فرصة الحديث الصحافي لينوّه بأنّ ما يشتغل عليه اليوم مختلف تماماً عن شخصية «مراد» التي لعبها في مسلسل «شارع شيكاغو» (ورشة من الكتاب، وإخراج محمد عبد العزيز) لكن من وجهة نظره، فالتنويه لهذا الأمر حصل بسبب: «كلمة البطل الشعبي التي سببت الاختلاط بين العملين لدى الجمهور، رغم أن هذه الكلمة تحتمل مفاهيم واسعة وأكثر من منطق حسب سياق هذه الشخصية وطريقة طرحها الدرامي»
لن تنسينا مناسبة العمل السوري الخالص الذي نزور موقع تصويره، فرصة سؤال خضور عن تجربته في لبنان والدراما المشتركة وبطولة مسلسل «للموت 3» (كتابة ندين جابر، إخراج فيليب أسمر). العمل، من وجهة نظره، «لاقى قبولاً عند الجمهور، واستطاع إضافة شيء مهما كان بسيطاً. أما عنّي شخصياً، فمن المؤكد بأن أيّ ممثل عندما يدخل في مسلسل متعدد الأجزاء، فهناك أسئلة سيطرحها على نفسه، من قبيل: هل سأقدم شيئاً جديداً في هذا العمل؟! وهو ما يعتمد بالتأكيد على النص وتصعيد الحكاية، وعلى طريقة تقديم الشخصية بأسلوب يجب أن يخلق قيمة مضافة للعمل».
نستذكر معاً الجدل الذي أثاره مسلسه «شارع شيكاغو» واتهامه بتقديم جرعات مفرطة من الجرأة بطريقة تتنافى مع أسلوب وجمهور التلفزيون، ونسأل عن تعريفه للجرأة وموقفه منها، فيقول: «الأمر ملتبس بالنسبة إلى مفهوم واحد يختلف من شخص إلى آخر، فما يراه أحدهم جريئاً، قد يجده شخص آخر عادياً جداً! نحن في عام 2023 حيث أصبحت الدراما منفتحة بطريقة واضحة، إضافة إلى اطلاع الجمهور على كل أنواع الدراما في العالم. مع ذلك، لا يمكن أن تخرج الدراما من عباءة الرقابة في بلادنا، لذا قد تكون الجرأة مطلوبة لخدمة الشخصية، وليست للاستعراض فقط». أما عن المواصفات الشكلية للممثل، فيرى أنّ «القيمة الفنية والسوية الأدائية عند الممثل هما الأساس بعيداً عن الشكل، وهناك أشخاص لا يمتلكون الجمال الكامل، لكنهم يجذبون الجمهور».
أخيراً يستبشر مهيار خضور في الموسم الرمضاني الأخير خيراً ويرى بأن «سوريا صنعت تجارب مهمة بجهود عظيمة، رغم كل الظروف القاسية التي نعيشها، لكن التعب الواضح بدا سمة ظاهرة، وهو ما يجعل المتابع يدرك بأن هذه الصناعة تعود بقوة إلى طريقها الصحيح وبنائها التصاعدي من جديد»