يتحدث رئيس مجلس «الهيئة العامة للترفيه في المملكة» تركي آل الشيخ كثيراً لوسائل الإعلام، وإن لم يجدها يدوّن عبر صفحته على منصة X. لكن تصريحاته لا تلق صدى واسعاً، إلا عندما يتناول الحساسية المستمرّة بين المملكة، وتحديداً «موسم الرياض» ومجموعة من الفنانين المصريين. وهو ما تأكّد عندما انتشر تصريحه الأخير الذي يهاجم فيه الممثل المصري محمد صبحي دون ذكر إسمه. لكن الجمهور عرف المقصود بسهولة.حتى الآن، يمكن حصر اثنين من الفنانين الكبار في مصر اللذين لم يقدّما أعمالاً فنية في السعودية خلال السنوات الخمس الأخيرة، أي السنوات التي شهدت صعود تركي آل الشيخ، وتنظيم «موسم الرياض» عاماً تلو آخر، بما يحتويه من مسرحيات كوميدية وحفلات غنائية واستعراضية. الأول هو الفنان علي الحجار الذي أطلق تصريحات قبل فترة، مؤكداً أنه لا يمانع الغناء هناك، لكن بشروط معينة بعيداً عن الطريقة التي يتبعها منظمو «موسم الرياض» في ما يتعلق بحشد الفنانين. ما هو غير منشور أنّ الحجار كان مرشحاً بالفعل لبطولة مسرحية غنائية، وقبل إعلامه بالأمر، سُحب العرض منه، على خلفية تلك التصريحات. أما الفنان الثاني فهو الممثل المسرحي المخضرم محمد صبحي، الذي خرج في تصريحات قبل عام (الأخبار 3/2/2022)، قائلاً إنّه تلقى عرضاً بتقديم مسرحية «خيبتنا» في المملكة مقابل أربعة ملايين دولار. لكنه يفضّل استقبال الجمهور على مسرحه في الطريق الصحراوي في مصر. وأبدى صبحي سعادته بـ«النهضة الفنية السعودية»، لكن الأفضل أن ينطلق الفنانون هناك ويقدمون انتاجاً خاصاً بهم، أي أن لا يعتمدوا على شراهة الاستيراد التي ينفذّها «أبو ناصر» من خلال استقطاب أعداد قياسية من الفنانين من كل الجنسيات. هذه الشراهة لم تمنع المستشار السعودي من انتقاد صبحي مرات عدة وبالصيغة نفسها، آخرها في «بودكاست عمار» الذي يقدمه الإعلامي الكويتي عمار تقي على منصة «شاشا». إذ أعاد التأكيد أن الفنان الذي يتشدّق بأنه يرفض العمل في السعودية، يتقرّب في الكواليس وأنه لا يستحق ذكر اسمه، بحسب قوله. وما يدركه الجميع أنه لو كان لدى «أبو ناصر» دليل واحد على أن صبحي أو غيره من الرافضين، دخلوا مفاوضات من هذا النوع لكشف عنها بأيّ وسيلة متاحة، وأن صبحي ليس بحاجة للمناورة، لأنّ النجوم يحصلون على أرقام قياسية للعمل في السعودية، فلماذا سيعلن رفضه إذا كان يريد الذهاب؟
كلّ ما سبق يلخّص حالة «الشيزوفرينيا» التي يمارسها «أبو ناصر» فنياً وإعلامياً. هو يريد إخضاع الجميع من جهة، وفي الوقت نفسه يرفض التعامل مع سياساته بحساسية من الشارع المصري. يدافع بمنطق مغلوط عن الانتقادات الموجّهة للفنانين المصريين بسبب تصريحاتهم المنفلتة. لكنه لا يفترض أن الانتقادات سببها السياسة المعلنة من أجل جذب النجوم، وابعادهم عن الجمهور المصري تحت سطوة الإنفاق غير المحدود. على سبيل المثال، ردّ آل الشيخ في بودكاست عمار تقي على تصريح سابق للممثل المصري حسن الرداد، حيث قال إنّه يتمنى العيش في السعودية، فإنتقده المصريون. لم يكتف «أبو ناصر» بعدم التعليق، بل قال إنّ التصريح لو كان «نفسي أعيش في فرنسا» لم ينتقد أحد الرداد!
هذه المغالطة يكررها تركي آل الشيخ في تصريحاته. حتى عندما قال لعمرو أديب «أنت صناعة سعودية»، أغفل كالعادة أن السعودية بكل ما تملك من إنفاق مالي على الإعلام لم تقدّم إعلامياً واحداً قادراً على التأثير عربياً. بالتالي المطلوب فقط التعامل مع النجوم المصريين باعتبارهم فنانين قادمين من القاهرة لأداء أعمال فنية فقط من دون إجبارهم ولو بالترحيب المبالغ فيه على وصف المملكة بأنها «قبلة العالم». حتى لو فعلوا، فلماذا لا يترك «أبو ناصر» من يرفضون وهم قلّة نادرة في حالهم من دون إنتقاد وإهانة؟! إذا كان النجوم يرحّبون فعلاً ويتمنون الإقامة في السعودية، لماذا لم تحم المملكة بيومي فؤاد من سقوط أفلامه الجديدة في مصر على خلفية الأزمة الشهيرة مع زميله محمد سلام (الأخبار 7/10/2023)؟ فقد إنسحب سلام قبل عشرة أيام من مسرحية «زواج اصطناعي» ضمن «موسم الرياض» بسبب العدوان في غزة. لماذا لم تكتف المملكة مثل الإمارات بمنح الاقامة الذهبية للفنانين، بل بدأت في توزيع الجنسية مجاناً عليهم؟ بعد حصول عمرو أديب على الجنسية، فاجأ المايسترو المصري هاني فرحات بالأمر نفسه قبل أيام، حتى إنّه وصف بالموسيقار السعودي، وهو الذي كان قبل أشهر مديراً لـ«مهرجان الموسيقى العربية» في القاهرة.