رائحة كراميل محروق فاحت من الشاشة مع أول ثانية من فيلم «تحت سماء أليس» أو «سماوات لبنان» (2020) للسينمائية كلوي مازلو. الرائحة زكية، لكنها لازمتنا طوال الفيلم، ما أشعرنا بالدوار. السحر والموسيقى والرسوم المتحرّكة والكلمات الرقيقة والشخصيات الأرقّ والقصة... كلها انقلبت على الفيلم بعد خمس عشرة دقيقة فقط. فيلم بلا ثقل سينمائي، محاولة باهتة من مخرجة فرنسية لبنانية للتكلم عن بيروت من خلال قصة عائلية قبل الحرب الأهلية وبعدها. كلويي مازلو رسمت فيلماً مليئاً بالكليشيهات التي عفا عليها الزمن، وطرحت قضية الحرب والمخطوفين والهجرة والعائلة في شريط كل شيء فيه زائد عن الحاجة. كلويي مازلو الآتية من الرسوم المتحركة والـ «ستوب موشن»، قدّمت أول فيلم طويل لها بطريقة تؤكد أننا أمام مخرجة لا تعرف شيئاً عن لبنان. ما كان يمكن أن يكون فيلماً ساحراً مليئاً بالذكريات والنوستالجيا، تحوّل إلى شيء يشبه لوحة ملوّنة بألوان الباستيل الباهتة.نحن في بيروت الخمسينيات، حيث أليس (ألبا روهراوشر) الهاربة من عائلتها في الجبال السويسرية، تأتي للعمل في لبنان. ترتبط بطالب الفيزياء الفلكية الشاب جوزيف (وجدي معوض) الذي يطمح لصنع صاروخ لإرسال أحد رفاقه إلى الفضاء. اللقاء، الحب، الزفاف، ولادة الابنة، العمل، كل شيء يمر بسرعة وبسعادة حتى يوم 13 نيسان (أبريل) 1975، عندما تندلع الحرب الأهلية اللبنانية. الصراع ينتقل من الخارج إلى داخل بيت أليس وبقية الأسرة التي أتت للاحتماء في الشقة، ما يجعل الحياة اليومية ثقيلة. يتصاعد العنف في لبنان بينما سؤال المغادرة أو البقاء يؤدي إلى ظهور خلافات عميقة بين الزوجين.
أُدخِلت الواقعية السحريّة والرسومات والـ «ستوب موشن» لتخفيف قسوة ما يُروى


أدخلت مازلو الواقعية السحرية والرسومات والـ «ستوب موشن» والكاميرا الثابتة لتخفيف قسوة ما يُروى، لكن غاب عن بال المخرجة أن ما يُروى خفيف في الأصل. حتى الحرب لا نراها، نسمع أصوات القذائف من حين إلى آخر (لم يصوَّر الفيلم في لبنان، ولا نرى بيروت إلا من خلال الصور أول الفيلم). حاولت مازلو استعمال الرمزيات والاستعارة لتنقل فكرة أو عاطفة ما، ولكنّ هذه الرمزيات فضحت أفق الخيال المحدود للفيلم. شريط مليء بالكليشيهات، التي تستحيل مثيرة للسخرية في لحظة ما: عندما وصلت أليس إلى لبنان، استقبلتها أرزة، هذه الأرزة نراها بين الحين والآخر تمشي في الطريق بينما تحاول كل ميليشيا إبقاءَها إلى جانبها. المقاتلون يلبسون أقنعة حيوانات، والسياسيون أقنعة ذئاب. عندما تصلي أليس، تصلي لآلهة المسلمين والمسيحيين والدروز واليهود والبهائيين والأقباط وكل ديانة موجودة على الأرض. حشت المخرجة الفيلم بكل شيء متعلق بالحرب: الخطف والقتل والهجرة مواضيع مرّت عليها المخرجة بلا أدنى محاولة للتعمّق فيها. لا يهمّ، المهم فقط بثّ روح الأمل وقوة ووحدة الأسرة والقيم المناهضة للحرب. مخرجة لا تعرف شيئاً عن تاريخ لبنان وحاضره، ولا مشكلة بهذا، ولكن المشكلة تكمن في الادّعاء. قوات الردع العربية التي دخلت إلى لبنان عام 1977، بنظر المخرجة هي قوات حفظ سلام سورية، يدخل جنودها البيوت ويفتشون كل شيء ويجلسون ويأكلوين ويصرخون على أهل البيت باللهجة السورية باسم حفظ السلام!
لا شيء جيداً في الفيلم لا القصة ولا السيناريو ولا الصوت ولا التصوير ولا التمثيل. على الرغم من أن الممثلة الإيطالية ألبا روهراوشر ممتازة ورأيناها في أعمال أوروبية كبيرة، ولكن في شخصية أليس لم تكن هي نفسها، وبالطبع لا ندري لماذا الكاتب اللبناني وجدي معوض لا يزال يمثل؟!
في «تحت سماء أليس» كأننا أمام درس في الوطنية والانتماء. استعملت المخرجة السينما على أنها رسالة حبّ ومحبة وإخاء وسلام، السينما ليست رسالة ولا أيّ فن آخر.

Sous Le Ciel D’alice:
ابتداءً من 2 كانون الأول في «غراند سينما» (الأشرفية)