نحاس: الاقتصاد المسيطر قائم على مقايضات حزبية ــــ طائفية رشا ابو زكي
قدّم وزير الاتصالات شربل نحّاس تحليله لآليات عمل النظام السياسي والاقتصادي في لبنان في ندوة نظمها اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني، وتميّز هذا التحليل بشرح معمّق للأزمة البنيوية في الاقتصاد السياسي اللبناني من مرحلة الشهابية حتى موازنة عام 2010... وما بعدها.
فقد أشار نحاس الى أن لبنان شهد تطورات هائلة في الستينيات وسبعينيات القرن الماضي، إذ نزحت الرساميل العربية الى لبنان مستفيدة من عوامل عدّة، منها السرية المصرفية، وتسارعت الهجرة الداخلية من الريف الى المدينة، وظهر توسع سريع في التعليم بمستوياته المختلفة، وتأمّنت الطرق والكهرباء والمياه... وبدأ الاقتصاد ينحو باتجاه تطوير أنشطة مختلفة وجديدة، كانت تمثّل نسبة كبيرة من الصادرات، كسلع وخدمات. وفي أوائل السبعينيات، بدأ هذا البنيان يشهد تسارعاً في تكثيفه الداخلي، وحراك سياسي يواكب موجات متسارعة من النزوح، وارتفعت نسبة الصراع الاجتماعي، أما السلطة الفعلية التي كانت ممسكة بالبلد فلم تستطع مواكبة هذه التطورات، فالبنيان الداخلي في نهاية الستينيات بدأ ينفرط عقده، والقوى الأكثر انتشاراً وتنظيماً، والتي كانت مكوناً أساسياً لسلطة الدولة، بدأت تنفك عن السلطة، فشهدت بنية السلطة تخلخلاً كبيراً جداً، ولم تستطع مجاراة التغيرات في المطالب الاجتماعية والاقتصادية الجديدة، ما ساهم في رفع حدة الصراع، إلى أن تم تأريخ الحرب في عام 1975 التي استمرت 15 عاماً، «وها نحن نحمل آثار فشل السلطة في إدارة التحديات الداخلية والمحيطة منذ ذلك الحين حتى اليوم».
وشرح نحاس أنه من غير المعقول أن تدوم حرب 15 سنة، لأنها مكلفة، ولأن الناس تفقد جزءاً أساسياً من مداخيلها، فكان لا بد من تأمين مصادر دخل بديلة للناس للاستمرار، وتغذية الآلة الحربية في آن، «وهكذا تزامنت الحرب مع ظاهرة مهمة وهي القفزة النوعية التي شهدتها أسعار النفط في الفترة نفسها».
وتابع «الفوائض النفطية وصلت الى أرقام غير مسبوقة، فيما هاجر عدد كبير من اللبنانيين الى الخارج بسبب الحرب، وبين تحويلات اللبنانيين والمال السياسي، الذي جزء أساسي منه نفطي، تأمنت المستلزمات المادية لاستمرار الحرب. وخلال هذه الفترة، انهارت البنية الاساسية للدولة في أواسط الثمانينيات وأهم مؤشر لذلك انهيار العملة الوطنية، وهو يعني أن عملية تحويل هائلة للثروة قد جرت حينها بين الشرائح والطبقات الاجتماعية، ولا تزال آثارها قائمة حتى اليوم، فليس أصحاب المدخرات وحدهم خسروا أموالهم وليس المقترضون وحدهم استفادوا من انهيار قيمة ديونهم، بل إضافة الى ذلك انخفضت الأسعار في الداخل، ومن كان لديه مداخيل في الخارج أصبح لديه قدرة شرائية عالية، فتغيرت البنية الطبقية للمجتمع اللبناني، كما ان الدخل المبني على الأجر وخاصة في الدولة، قد ضُرب، كما حلّ الدولار (وهو عملة معظم المنطقة المحيطة بلبنان) محل الليرة، وتغيرت معالم توزع الثروة وبنية المداخيل نهائياً.
وأضاف نحاس «وخلال هذه المرحلة انتقل الصراع الى مرحلة انزواء أجزاء جغرافية واجتماعية من السكان ضمن أطر ومناطق الميليشيات التي لم تكن تمتلك مشاريع للتغيير في الدولة، وتأسست هذه الوضعية، وبدأت الميليشيات هذه تؤسس لتعاون وترابط في ما بينها، وجباية إيرادات وغيرها»...

أما مرحلة الطائف، فقد شهدت، وفق نحاس، انهياراً إضافياً لليرة، ما أدى إلى ضربة إضافية لما بقي من البنية التقليدية لتوزع الثروة والدخل، واستمرت مرحلة ما بعد الطائف فأصبح هنالك تآلف منظم بين الكيانات التي هي ما دون مرتبة الدولة أو ما يسمى بالطوائف، وكانت المقايضة: تشكيل مخزون من المهاجرين الذي يحول إلى لبنان أموالاً، وآليات مركزية من الداخل تتولى توزيع هذه الأموال من خلال قنوات مرتبطة مباشرة بالطوائف، التي تثبت قدرتها على الاستمرار في التوزيع عبر وظائف ومواقع مركزية في الدولة. وهنا أصبح لكل أجهزة الدولة دوران: التوزيع، وتأدية خدمات، ما جعل الخدمة الأساسية ذات مستوى متدن ويستعاض عنها كما في الثمانينيات بحلول رديفة من الجامعات الخاصة ومولدات الكهرباء والاتصالات غير الشرعية...
ولفت الى أن تحويلات المهاجرين أموالاً غير ناتجة من إنتاج محلي، تعامل معه الناس كما لو أنه دخل إضافي ويمكن استخدامه لتمويل الاستهلاك، وهذا ساهم في زيادة حجم الاستيراد، ورفع الأسعار، وأصبح الاقتصاد مركّزاً على الأنشطة البسيطة، فارتفعت كلفة المعيشة، ثم اعتُمد على اليد العاملة الأجنبية لزيادة ربحية هذه الأنشطة، فتقلصت فرص العمل للبنانيين نسبة إلى كلفة معيشتهم، وبالتالي فإن دفق هذه الأموال يغذي الهجرة، والهجرة تغذي دفق الأموال.

دفق أموال المغتربين يغذّي الهجرة، والهجرة تغذّي دفق الأموال

وأضاف نحاس أن هذا النمط غير بسيط وإدارته ليست بسيطة، «فليست هينة» أن نحوّل هذه الأموال الى ما يشعر الناس بأنه دخل متاح لهم، فالتحويل يتم عبر المصارف التي تقرض الأموال للدولة والأخيرة تنفقها أجوراً وتعويضات على الناس، وبالتالي من يقبض هذه الأموال يقتنع بأنه دخل فيذهب الى استهلاكه.
وخلص نحّاس الى أن الموازنة يجب أن تلعب دورها في تصحيح هذا المسار، إلا أن ذلك لن يكون سهلاً، لذلك نركّز اليوم على إعادة الانتظام وفقاً للدستور والقوانين المرعية الإجراء، وبما يتيح نقل النقاش إلى طاولة مجلس الوزراء وفي المجلس النيابي كخطوة أولى، وهذا ما جعل الإصرار على أن تكون الموازنة شاملة خطوة أساسية، لأن ذلك يطال مباشرة شروط أداء هذا النظام، إذ إن موازنة 2010 لأول مرة منذ السبعينيات ستكون شاملة، وبالتالي سيتاح للوزراء من الآن فصاعداً مناقشة خيارات اقتصادية واجتماعية، وكذلك الأمر على مستوى مجلس النواب أو غيره. وسينطلق النقاش من أن هناك فائضاً في التمويل وضعفاً في قدرة اتخاذ القرارات وبالتالي ستوضع قواعد ليس فقط في تقاسم المغانم بل كذلك التكاليف، «لأن الدين العام هو ترجمة مباشرة لعجز أداء الدولة».


12،9 في المئة

هو معدّل الهجرة النازحة من لبنان بين عامي 2000 و2002 وفق دراسة للأمم المتحدة، يعيش 31،2 في المئة منهم في آسيا، و22،7 في المئة في أميركا اللاتينية، و18،6 في المئة في أميركا الشمالية، و12،5 في المئة في أوقيانوسيا، و10،3 في المئة في أفريقيا. فيما 30،9 في المئة من المهاجرين هم من حملة شهادات التعليم العالي!


الدين ترجمة مباشرة لعجز الدولة