بالتزامن مع بدء دعم المازوت الأحمر بقيمة 3 آلاف ليرة للصفيحة الواحدة، اندلعت أزمة «نُدرة» هذه المادة في البقاع حصراً. فقد تبيّن أن الكميات التي تُباع في هذه المنطقة قليلة جداً ولا تكفي حاجاتها الاستهلاكية ولا تروي «عَطَش» المستهلكين الذين انتظروا بدء الدعم لتموين الكميات اللازمة للتدفئة خلال فصل الشتاء.
أزمة مبكرة
في نهاية الأسبوع الماضي حدّد وزير الطاقة والمياه، جبران باسيل، سعر صفيحة المازوت الأحمر المدعومة بقيمة 16400 ليرة، بناءً على قرار مجلس الوزراء المتخذ في أول جلسة عقدها بعد تأليف الحكومة، الذي يتضمن أن لا تتجاوز قيمة الدعم 60 مليار ليرة بين 24 كانون الأول 2009 و15 آذار 2010. بعد نحو أسبوع على تطبيق هذا القرار، رصدت أكثر من جهة معنيّة بموضوع الدعم والأسعار شكاوى مختلفة عن انقطاع مادة المازوت من السوق البقاعية. منها ما يتعلق بعدم وجود هذه المادة لدى المحطات، ومبيع المازوت في المنطقة الساحلية، وارتفاع سعر مبيع الصفيحة، ومنافسة المازوت السوري المهرّب... وبحسب المعلومات التي استقتها «الأخبار» من مصادر معنية، تبيّن أن مصفاتي طرابلس والزهراني تسلّمان المازوت الأحمر للتجّار بمعدّل إجمالي يتراوح بين 8 ملايين ليتر و10 ملايين ليتر يومياً منذ أسبوع، وهذه الكميات يفترض أن تصل إلى كل المناطق، ولا سيّما الجبلية التي تحتاج إلى المازوت للتدفئة، والتي تمثّل الهدف الوحيد من الدعم، كما يفترض.

20 في المئة

هي حصّة المناطق البقاعيّة من استهلاك مادة المازوت يومياً بحسب تقديرات تجّار المحروقات، وهي تساوي ما بين مليون ليتر و1.5 مليون ليتر يومياً وفقاً لتقلّب معدلات السحب الإجمالية


لكن المصادر في وزارة الطاقة ـــــ منشآت النفط، وفي وزارة الاقتصاد ـــــ حماية المستهلك، تلقّوا منذ مطلع الأسبوع الجاري أكثر من 100 شكوى يومياً تفيد بأنّ المازوت «مقطوع» في منطقة البقاع. وتتوزّع هذه الشكاوى بين محطّات تريد زيادة حصّتها من كميات المازوت التي تبيعها، وموزّعين رئيسيّين يحتكرون هذه المادّة ويبدأون بتخزينها طمعاً بتحقيق أرباح إضافيّة على حساب المال العام، وتجّار يبيعون المازوت في المناطق الساحليّة توفيراً لأجرة النقل المرتفعة إلى البقاع (500 دولار عن كل نقلة)، أو تجّار يفضّلون بيع المازوت المدعوم للأفران والمخابز والمصانع وأصحاب مولّدات الكهرباء ومؤسسات القطاع الخاص الكبيرة (مستشفيات، مدارس...) الموجودة على الساحل والمناطق المحيطة.
ويقول مسؤول معنيّ بالدعم، إن «التجّار يبيعون الكميات في بيروت، إذ إن كلفة النقلة الواحدة من مصفاة الزهراني أو طرابلس إلى البقاع تبلغ 500 دولار في مقابل 200 دولار إلى بيروت»، مشيراً إلى أنّ زيادة الكميّات التي تذهب إلى البقاع يجري توفيرها بالتعاون مع نواب المنطقة.
ويعتقد المعنيون أن سوقاً سوداء نشأت بعد الدعم، لا بل أُعدّت على وقع الأنباء التي سرت، مؤكّدة أن دعم المازوت سيُقَرّ في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء «عشوائياً» من دون آلية واضحة لمراقبته وضبطه. وقد أجرت منشآت النفط اختباراً أول من أمس لمعرفة كيفية سير الأمور، فوزِّعت 5 ملايين ليتر في مصفاة طرابلس، و3.5 ملايين ليتر في مصفاة الزهراني، ثم طُلب من الأخيرة أن توزّع مليون ليتر للبقاع حصراً... لكن الكمية لم تصل إلى مقصدها و«تبخّرت»!

دعم بلا آلية
لذلك تلفت هذه المصادر إلى أنّ من الصعب ضبط الموضوع من دون آلية واضحة، فالتجربة في السنة الماضية تشير بوضوح إلى معطيات تدعم هذا الاتجاه كالآتي:
ـــــ لم يبدأ البقاع بالحصول على كمية كافية من المازوت قبل إشباع السوق الساحلية.
ـــــ هناك دراسة عن حجم استهلاك المناطق وفقاً لكل محطة بنزين بحسب الفصول، لكنها بأيدي تجمع مستوردي النفط الذي لن يكشف عنها، لأن حصّته من توزيع المازوت المدعوم تصل إلى 20% فقط، وبالتالي لن يكون بإمكان أي جهة تحديد حصص تقريبية للمناطق والتوزيع على أساسها.
ـــــ لا آلية لضبط عملية الدعم، إذ إن قرار مجلس الوزراء لم يحدّد بوضوح كيفية المراقبة ولا الجهات التي يفترض أن تضع الآلية، وبالتالي يضيع الأمر بين منشآت النفط التي تضع الآلية، ومديرية حماية المستهلك التي تراقب أسعار الاستهلاك أو الاحتكار
فقط.
ـــــ يرتفع عدد الشركات التي تشارك في تجارة المازوت، خلال فترة الدعم، من 22 شركة إلى 136 شركة، ما يوحي بوجود مستفيدين كثر، فهذا الأمر يشبه تماماً ما حصل مع دعم الطحين، إذ ارتفع عدد الأفران من 125 فرناً إلى أكثر من 400 فرن. وتبيّن أن هناك أفراناً وهمية مهمتها بيع الحصص.

نهب الدعم
ويقول مراسلا «الأخبار»، نقولا أبو رجيلي في البقاع الأوسط، ورامح حمية من بعلبك ـــــ الهرمل، إن المحطات التي التزمت السعر المدعوم 16400 ليرة، كانت قليلة، إذ إن معظم محطات المحروقات في البقاع تبيع صفيحة المازوت الأحمر بسعر يراوح بين 17500 ليرة و18500 ليرة، بذريعة «أن التجار يتحكّمون بالكميات المسلّمة وبأسعار التسليم».

لا آلية لضبط عملية الدعم، إذ إن قرار مجلس الوزراء لم يحدّد بوضوح كيفية المراقبة


ففي البقاع، هناك قلق من أن يكون المقيمون هناك آخر من يستفيد من الدعم، وبعد فوات الأوان. فقد تقلّصت كمية المازوت في المحطات البقاعية على نحو مفاجئ، فيما لم يخفض السعر بحسب قرار الدعم. ويؤكد عدد من أصحاب محطات المحروقات في البقاع لـ«الأخبار»، أنه بمجرد صدور قرار الدعم، بدأت الكميات تتضاءل على نحو لافت، إذ إن الموزعين يسلّمون المحطات كمية صغيرة توصف بأنها «عيّنة»، هي عبارة عن ألف ليتر كل يوم أو يومين، وبسعر يبلغ 11.7 دولاراً للصفيحة، أي نحو 17600 ليرة. والغريب أن بين الشكاوى الواردة شراء المازوت الأخضر، أي غير المدعوم، بقيمة 20 ألف ليرة!
في هذا الوقت لا تزال خطوط تهريب المازوت من سوريا، عاملة، وتباع الصفيحة المهربة للمستهلك بنحو 18500 ليرة «على أساس أن مستوى احتراقها منخفض، وبالتالي تشتعل لمدة أطول» بحسب ما أفاد به عدد من المواطنين.



احتكار 3 تجّار
يؤكد بعض أصحاب المحطات في البقاع أن هناك 3 تجار رئيسيين حصلوا على مليون ليتر من المازوت المدعوم أول من أمس، لكن هذه الكميات لم تظهر في السوق البقاعية، ولم تُوزّع على محطّات المحروقات العاملة هناك. علماً بأن المبلغ المخصّص للدعم يكفي لكمية 400 مليون ليتر، في حين أن الاستهلاك اليومي وصل في وقت الأزمة السنة الماضية إلى ما بين 10 ملايين ليتر و11 مليوناً، وتراوحت كمية الاستهلاك الطبيعي بين 6 ملايين و8 ملايين ليتر يومياً.