بعلبك ـ عبادة كسر«أوووه، كانت كتير حلوة»، هذا ما قاله أبو علي ياغي بمجرد أن ذكّرناه بأن اليوم عيد البربارة، الذي كانت كل منطقة بعلبك الهرمل تحتفل به في ما مضى. ويضيف الرجل الثمانيني «كنا نشعر بأنه مهرجان وطني ولا يختص بأحد معيّن». فعكس ما هو متوقع من عيد شبه ديني، كانت المنطقة التي تتداخل فيها الهويات الدينية تحتفل بهذا العيد، وخصوصا أن فيها معبداً في حرم قلعة بعلبك يقال إن الإمبراطور قسطنطين حوّله من معبد لإلَهة الحب فينوس إلى القديسة بربارة «شفيعة بعلبك، وشفيعة رجال المدفعية». حسب أبو علي ياغي، دون أن يشرح لنا سبب كونها شفيعة لرجال المدفعية!
كانت التحضيرات للعيد الذي توقّف إحياؤه خلال الحرب الأهلية واستؤنف اليوم بعدما تقلص «حجمه»، تجري بالتعاون بين جمعية نادي الشبيبة الخيرية والكنيسة، وكانت ساحة خليل مطران تزدان بالشرائط الملوّنة والزينة والأقنعة، فتلفت انتباه زائري سوق بعلبك بالقرب من كنيسة القديسة بربارة التي بنيت عام 1830 ثم حوّلت إلى مركز نادي الشبيبة فيما بعد. تتضارب المعلومات بشأن جنسية القديسة بربارة فمنهم من يعتبرها من بعلبك، وآخر يروي أنها دفنت في مدينة الشمس ولقّبت بشهيدة بعلبك، وغيرهم يقولون إنها من أثينا.
«تعرفت إلى أبي رضا في ساحة كنيسة البربارة وكان متخفياً بزي عسكري تركي». تقول التسعينية أم رضا وهي تضحك بحنان للذكرى. تتذكر السيدة، أن صورة للسيدة مريم العذراء كانت معلقة على جدار غرفة الجلوس في بيت أهلها. تقول لنا إنها لم تكن تعرف هويتها الطائفية. كل ما تعرفه، أنها كانت تناجيها وتصلّي لها.
أما أبو علي ياغي، فيتذكر الطريق إلى الاحتفال يوم كان ينزل مع الأصدقاء من منطقة رأس العين سيراً على الأقدام، بمسيرة صامتة نحو ساحة البربارة حيث يجري الاحتفال. ويستذكر «كنا ما نسمع بعضنا من صوت حفيف شجر الحور. كانت راس العين غابة، شوفي هلق ما بقى إلا كام شجرة». ويقول إن الحماسة كانت على أشدّها مع أن درجات الحرارة في هذا الوقت تكون متدنية في بعلبك، ويضيف «كنا نلبس وجوهاً وثياباً تنكرية وتقام حفلات دبكة وسلق قمح، وكانوا يقْلُون العوامات «قدامنا» بالساحة".
الياس المنيّر، وهو من بعلبك، كان «دينامو هذه الاحتفالات»، وفق ما ذكر شقيقه روكز المنير أحد أعضاء نادي الشبيبة. ويشرح «القمح كان يسلق بكميات في الساحة الخارجية للكنيسة، وكنا نتفنن في البرامج». ومع تقدم الليل، كان الاحتفال يتحول إلى كرنفال لا ينتهي قبل بزوغ الفجر»، أما البرد، فقد كان دواؤه الدبكة والرقص. الزميل صبحي ياغي يتذكر طفولته في البربارة يوم كان والأطفال يغطون وجوههم بالأقنعة، ويقرعون الأبواب لجمع الحلوى والمال من أيدي «الأجاويد» كما ينص التقليد. ولا ينسى ما كانوا ينادون به «أركيلة فوق أركيلة/ هيدي الست زنكيلة»، حيث كانت الأغنية ترتبط بمدى تجاوب صاحب المنزل، فإذا أعطى الأطفال مالاً أو حلوى، فالإطراء مقبل لا محالة