أرخى الصيف أوزاره على إقليم التفاح الملفوح دائماً بالضباب. ومع حلول كلّ مساء، يهبّ نسيم بارد يعلن الشوق لروّاد كانوا يؤمّونه صيفاً، للتمتع بطبيعته الخضراء الخلّابة ووفرة مياهه العذبة ومتنزهاته المنتشرة في عاصمته، جباع، التي كانت إلى جانب مواسم التفاح والأشجار المثمرة، تمثّل مصدر عيش وفيراً للأهالي هناك
نغم جوني

بعدما كانت جباع تستقبل ضيوفها على مدار السنة، أصبح الموسم السياحي يقتصر على أشهر قليلة. وفي هذا الصدد يقول مدير مطعم «القبّي» في البلدة، بسام عيسى، «نبدأ باستقبال الزبائن ابتداءً من شهر أيّار، لكن الحركة تبقى خجولة إلى حين انتهاء العام الدراسي، ويستمر الموسم حتى أواخر شهر أيلول».
هذه البلدة التي كانت مقصد كل قاص ودان، وخصوصاً من مدينة صيدا وجوارها، تبقى حركة الاصطياف فيها متواضعة مع غياب المعالم الأثرية. وتقتصر السياحة فيها على وجود مطعمين فقط، بعدما أقفل آخر بسبب تراجع حركة السياحة. و«كان السيّاح اللبنانيّون والأجانب يقصدون البلدة، ويستأجرون المنازل. لكن الآن كلّ شيء تراجع، ولا يمكن الاتكال على مردود هذا القطاع لتأمين معيشة الأهالي»، حسبما يوضح عيسى.
تجدر الإشارة إلى أنّ المطاعم الموجودة في بلدة جباع تمتنع عن تقديم المشروبات الروحيّة والتحفّظ على عدم وضع غير الموسيقى الكلاسيكيّة، ما قد يدفع بعض الأشخاص إلى التوجّه لأماكن أخرى خارج المنطقة تلبي أهواءهم ومتطلّباتهم، وفي هذا السياق، يقول زبون في أحد المطاعم، «عدم تقديم المشروبات الروحيّة هو أمر يتماشى مع معتقداتي، والبيئة المحيطة تفرض ذلك... ولو كان الأمر يزعجنا لقصدنا أماكن أخرى».
وبشكل عام، لا بدّ أن ينعكس التحسّن في الوضع السياسي إيجابيّاً على السياحة في المنطقة، هكذا يرى مدير مطعم «القبّي»، ويقول: «من المتوقع أن تكون هذه السنة سنة خير علينا، وأفضل من السنوات السابقة. فإقبال السيّاح على لبنان في الصيف سيكون كثيفاً، وهذا مبعث تفاؤل، كما أنّنا نعتمد هذا العام على برنامج جديد ومميّز عن المطاعم الأخرى، فزرعنا كلّ ما يحتاج إليه المطعم من خضار وبعض أنواع الفاكهة، مع عدم استعمال الأسمدة، لتكون المنتجات صحية أكثر، وعمّمنا هذه الفكرة ليدرك زبائننا أنّ ما نقدّمه محلي وبيئي مئة في المئة».
وعن سيطرة الجو الريفي على تقديمات المطعم، يشير المدير نفسه إلى «أنّنا لا نزال نقيم حفلات الزجل للمحافظة على التراث المتبقي لدينا، وهذا عامل جيد لاستقطاب الزبائن من صيدا وصور وجوارهما، حتى أصبحت جباع مقصداً للسائح اللبناني والخليجي أيضاً».
وفي المقابل، يلفت أحد وجهاء البلدة، عبد الكريم جزيني، إلى أنّ «مواسم السياحة في جباع أصبحت أشبه بورقة نعي، حتى غدت لأبناء البلدة كالأطلال يبكون عليها. فبعد الحرب الإسرائيلية (في تمّوز 2006)، تراجعت السياحة بنسبة 90 في المئة عمّا كانت عليه سابقاً. عدا عن ذلك، فإنّ جباع بلدة محافظة والناس الذين كانوا يقصدونها أيضاً محافظون، بينما الاصطياف الآن يحتاج إلى خلاعة وإباحة وتقديم المشروبات الروحيّة، وهذا يتنافى مع عاداتنا وتقاليدنا. وإذا كان الرزق سيأتي بطرق غير مشروعة، فنحن بالغنى عنه».
أما عن قطاع الزراعة التي كانت هذه البلدة رائدة بها، ويمكن أن يعوّض النقص في الإنتاج السياحي، فيؤكد جزّيني أنّه «بعدما كانت الزراعة تحتلّ المركز الثاني بعد السياحة، أصبحت هي الأخرى شبه معدومة، وتقتصر على الزراعات البسيطة للاكتفاء الذاتي ليس إلّا. لكن انعدام السياسات الزراعية في ظلّ إهمال الدولة في دعم المزارع، أثّر سلباً على هذا القطاع، بالإضافة إلى تغيير نمط الحياة من إنتاجي وتوزيعي، إلى حد ما، إلى استهلاكي بحت».