فادي عبود *«إن المسؤولية تحتّم علينا تشجيع الطاقات الشابة للانخراط في مؤسسات القطاع العام، فنمنع ترهّله، ويتيح لنا الوصول إلى إدارة أكثر كفاءةً وشباباً. مع اعتمادنا على حسن الاختيار، وتعزيز هيئات الرقابة، فيكافأ المستحق، ويصوّب المقصّر، ويعزل الفاسد».
اختصرت هذه العبارة الغنية التي وردت في خطاب القسَم لفخامة الرئيس ميشال سليمان كلاماً كثيراً سمعناه وقرأناه في الآونة الأخيرة يتردد في كل الحلقات الحوارية وورش العمل والمقالات المتعددة وعلى ألسنة المهتمين والمسؤولين والحزبيين والمثقفين ورجال الدين، وأتت معبرة جداً لتُنهي فقرة عنوانها تشجيع القدرات الشابة والوصول إلى إدارة فاعلة شفافة فيكافأ المستحق، ويصوّب المقصّر، ويُعزل الفاسد.
ولإعطاء مقالنا بعض الموضوعية، لا بد من المرور، ولو مرور الكرام، على بعض الأرقام التقديرية لحجم الفساد والرشوة التي يعاني منها المواطن اللبناني، والتي يعرفها ويدركها الجميع، ولكن لا يجرؤ أحد على غزو معاقلها، فالكلفة اليومية للفساد تُقدّر بأكثر من ثلاثة ملايين دولار من الرشى، وهذه تصل إلى حوالى مليار دولار سنوياً، وهو حجم الفساد في المعاملات الإجرائية اليومية. أما إذا أخذنا بالاعتبار المناقصات والمزايدات والاحتكارات والتلزيمات وغيرها من السرقات المبنية على العمولات وتوزيع الغنائم... فقد يصل حجم الفساد إلى ضعف المبلغ المذكور.
من هنا أهمية ما جاء في خطاب القسم عن عزل الفاسد، فنحن نرى أنه من دون عزل الفاسدين قد يكون من المستحيل إعادة بناء الاقتصاد الوطني على القواعد المذكورة في خطاب القسم، والتي تشير إلى «تفعيل الدورة الاقتصادية، وإلى رعاية الدولة تشجيعاً ودعماً لعملية الإنتاج التنافسي، وتأمين بيئة صديقة للمستثمر... ما يقودنا إلى حتمية الاهتمام باقتصادنا المنتج زراعياً، صناعياً وخدماتياً».
لبنان بحاجة اليوم إلى هندسة اختصاصية تساعد على عزل الفساد، وهي عبارة عندما قالها رئيس الجمهورية علا التصفيق من النواب والوزراء الحاضرين، فربما المرحلة المقبلة تحتاج إلى أكثر من مجرد تصفيق!
المطلوب جدياً هو محاربة الفساد بكل ما للكلمة من معنى، فالفساد متفشّ، ومن الخطوات اللازمة لمعالجته إطلاق مجلس التنافسية الذي يجب أن يكون سيد نفسه، وإعطاء هذا المجلس صلاحيات فوق صلاحيات الوزراء، بما يتعلق بالإجراءات والآليات المتبعة في كل الوزارات والدوائر حتى الأمنية منها، لإعادة هندسة إجراءات حديثة لا تسمح بالابتزاز، والأهم أن لا يتبع هذا المجلس لأي جهة ليتمكن من بناء أسس لإعادة التنافسية والقضاء على الفساد... بكلام آخر يجب إعطاء هذا المجلس حق (الغزو) على كل المؤسسات العامة، وفرض آليات Procedures حديثة تقضي على البيروقراطية القاتلة، والتي تكون الغاية منها عادة التعقيد من أجل السرقة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك إصلاحات عديدة يجب المضي بها لتحقيق الشفافية المطلوبة وعزل الفساد، وكنت قد ذكرتها في مقال في جريدة النهار بتاريخ 23/8/2007 تحت عنوان «برنامج رئاسي اقتصادي يبحث عن مرشح»، ومنها إصدار قانون حرية الحصول على المعلومات Freedom of Information Act مما يسمح لكل مواطن لبناني الحصول على أية معلومات مرتبطة بالشأن العام، وإصدار قانون بالنسبة للمناقصات العامة يعتمد على شفافية تامة، وتحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد تنافسي يشمل كل القطاعات دون استثناء، وإعادة حصرية حق فرض الضرائب إلى مجلس النواب، وعدم فرض ضرائب مستترة باسم رسوم... أما بالنسبة إلى الأمور الاجتماعية والتعليم، والتي ركز عليها فخامة الرئيس، فيجب تأمين الخدمات الصحية لكل مواطن لبناني من خلال القطاع الخاص، ودمج كل الموازنات من ضمان وزارة صحة وتعاونيات وغيرها تحت إدارة رقابية واحدة، وتلزيم إدارة المدارس الرسمية للقطاع الخاص وتوزيعها من خلال مناقصات على المؤسسات التعليمية العريقة التي أثبتت جدارتها عبر تحقيق نتائج باهرة على المستوى التعليمي، وإنشاء قوات خاصة من الشرطة يتم تدريبها في الغرب لمعالجة مشاكل السير «Traffic Task Force»، وهي مشكلة مزمنة في لبنان وقوة مماثلة لمراقبة التعديات على البيئة «Environmental Task Force».
ندعو أن يكون حزب رئاسة الجمهورية مرتكزاً على الأوادم من كل التيارات والأحزاب في لبنان والتي تحتوي كلها على أوادم دون استثناء يؤمنون بهذا البلد ويسعون إلى تطويره وازدهاره، وخاصة أن هؤلاء الأوادم من نظيفي الكف هم من حافظوا على المجتمع اللبناني عندما غابت الدولة، بدون هؤلاء لكان لبنان اندثر قيماً ومجتمعاً ووجوداً، لأنه إذا فسد الملح فبماذا يُملح؟
والواضح اليوم أنه وصل إلى سدة الرئاسة إنسان حافظ على هذه «الآدمية» في كل مراحل مسيرته وعلاقته بالشأن العام، وهو من هؤلاء الأوادم الذين ذكرناهم، والذين يشكلون خميرة ما زالت موجودة في المجتمع اللبناني، ويجب أن توزع هذه الخميرة في كل أنحاء البلاد ليتم عزل الفاسدين في هذا الوطن، ونحن نعتقد بأن الإرادة الشعبية تستطيع عزل الفساد، وهذه الإرادة تجلّت من خلال تأييد شعبي لفخامة الرئيس، والواضح أن التوصيف الوظيفي الذي أطلقه سيد بكركي سابقاً ينطبق على أخلاقية فخامة الرئيس: «عفة اليد واللسان وحرص شديد على الأموال العامة بحيث لا يخجل مستقبله من ماضيه، ولا ماضيه من مستقبله، ولا ينبري له أحدهم يوماً ليقول له ولحاشيته، من أين لك هذا؟».
في هذا السياق، لا بد من الإشارة أيضاً إلى الكتاب المفتوح إلى فخامة رئيس الجمهورية من تجمع رجال الأعمال اللبنانيين، والذي عبّر أفضل تعبير عن رأي الهيئات الاقتصادية حيث طُلب من فخامة الرئيس «في زمن هزلت فيه الإدارة وهمدت المؤسسات واستشرى الفساد والانتفاع أن ترسى في لبنان ثقافة جديدة على غير أسس التواطؤ وتقاسم المغانم والأسلاب إنما على أسس الصالح العام والكفاءة».
نتمنى أن تأتي حكومة تترجم هذا الكلام من خلال مجموعة من «حزب الأوادم»، وهم موجودون في كل التيارات والأحزاب في لبنان، وعلى كل القوى في لبنان أن تطبق التوصيف الوظيفي الذي يتحلى به رأس هرم هذا العهد، عندها، وعندها فقط، يقتنع الشعب اللبناني بأن مسيرة الإصلاح وبناء الوطن قد بدأت للقضاء على آفة الفساد، التي تأكل كل محاولات بناء اقتصاد حديث مبنيّ على العدالة وحقوق الإنسان، حيث يستطيع المواطن أن يعيش حياة كريمة في وطن يحترم الحياة.

* رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين