راجانا حمية وايمن فاضل
التحرّكات الاحتجاجيّة تتواصل لليوم الثاني والسكّان يهدّدون بالتصعيد

الضاحية الجنوبيّة في مهبّ الاحتجاجات مجدّداً، وللمرّة الثانية خلال أقلّ من أربعٍ وعشرين ساعة. فبعد احتجاجات «رغيف الخبز» أول من أمس، نزل سكّان منطقة بئر حسن وطريق المطار والرسول الأعظم إلى الشارع أمس، للمطالبة بالمياه والكهرباء التي ما عادت تزور بيوت الضاحية، وللتذكير بالرغيف.

تهديد بالتصعيد

فبعد خمسة أيّامٍ من الانقطاع المستمر للكهرباء والمياه في غالبيّة أحياء الضاحية، فضّلت نساؤها نقل الأزمة إلى الشارع وإحراق الدواليب كخطوةٍ أولى تحذيريّة، تستبق خطواتٍ أخرى قد تصل حدّ إقفال طريق المطار وإنشاء فروعٍ لخيم «وسط البلد» أمام بوّابة المطار الرئيسيّة... قد تكون هذه هي الخطوة التالية، فلا شيء يصعب على نساء الضاحية، وخصوصاً أنّهن أعطين «الحكومة والمعنيين بقطاعي المياه والكهرباء» مهلةً «تعجيزيّة» انتهت عند التاسعة مساءً، على أن يعقبها احتجاجات أخرى «مفتوحة»، تبدأ عند التاسعة من قبل ظهر اليوم، إذا لم يلتزم المسؤولون بالمهلة. ولكن التحذير لم يكن واحداً بين الناس، إذ يعوّل البعض على ما وصل من أخبار من مسؤولي حزب الله «من أنّ الحزب وعد خيراً، وسيبحث في الموضوع مع المعنيين».

الاحتجاجات عفوية

أمّا في ما خصّ الأمس، فقد شهدت الضاحية الجنوبيّة احتجاجاً عفويّاً نفّذه الأهالي كلّ على طريقته. فعند ما كان يسمّى جسر المطار، كانت ردّة الفعل الأولى على أزمتي الكهرباء والمياه شبيهة بثلاثاء «المعارضة» في الخامس والعشرين من كانون الثاني العام الفائت، فأُحرقت الإطارات وحضرت معها الهتافات المندّدة بالحكومة، وإن كان «شتمها» اليوم متخفّياً خلف الأزمة المعيشيّة. إلا أنّ الأمر لم يستغرق أكثر من نصف ساعة، إذ سرعان ما حضرت عناصر الجيش اللبناني والقوى الأمنيّة وفتحت الطرقات، في حضورٍ لافتٍ لعناصر الانضباط في حزب الله.
وعلى مقربة من مستشفى الرسول الأعظم، فضّل الأهالي رمي مستوعبات النفايات وسط الطريق، وانتظار الوسائل الإعلاميّة لـ«فشّ الخلق». فهنا كان الوضع أخفّ وطأة، إذ اكتفوا بتوجيه رسالة «معيشيّة» إلى الرئيس فؤاد السنيورة دعوه فيها «إلى التنحّي عن الكرسي وتركه لمن يستطيع تحمّل المسؤوليات»، مهدّدين بالبقاء في الشارع وإحراق الإطارات إلى حين تحلّ الأزمة. وهنا، الناس بدأوا بنبش مآسيهم وحكاياتهم مع الدولة «التي ما عادت تعتبر الضاحية جزءاً من لبنان»، حيث «نعيش الفقر والعوز، ونضطر في أحيانٍ كثيرة إلى مدّ أيدينا لنأكل رغيف الخبز»... ولم تقتصر مطالبة السكّان عند خطّ الرسول الأعظم على الكهرباء والمياه، بل تعدّتهما أيضاً إلى أزمة المازوت والتدفئة، وخصوصاً بعدما شهدت ارتفاعاً مفاجئاً في الأسعار، فكانت المناشدة شاملة لكلّ ما يعانونه، «لكون الدولة لا تلتفت إلينا إلاّ عندما نحرق الإطارات».
وبعيداً عن المطار، وتحديداً في منطقة بئر حسن، لم تختلف المطالبة عن باقي أجزاء الضاحية، كما لم تختلف مظاهر الفقر التي استوطنت معظم الأحياء. وإن كان الفقر الذي اعتادوه لم يؤرقهم في بداياته، إلاّ أنّه كان واجباً حضوره أمس في ظلّ نسيان الدولة للضاحية، والذي بات مضاعفاً بعد أزمة الموالاة والمعارضة.

مشكلة الكهرباء

وتعاني الضاحية الجنوبية تمييزاً كهربائياً بحقها، إذ إن أحياءً كثيرة لا تتزوّد بالتيار الكهربائي إلا 8 ساعات في اليوم، في حين أن الأعطال التي تصيب المحولات جراء الضغط الهائل في ظل موجة البرد أدت إلى ترك أحياء أخرى من دون كهرباء لأيام عدّة، ما دفع بالأهالي إلى تنفيذ تحركات احتجاجية متتالية، للمطالبة بمساواتهم مع المواطنين الآخرين في المناطق الأخرى، حيث يبلغ معدل التقنين 10ساعات يومياً.
ويقول الأهالي إن «الدولة تعاملهم كأنهم خارجين على القانون»، وهذه المعاملة هي التي تدفعهم إلى التحرّك والاحتجاج منذ ١١ كانون الأول من العام الماضي، عندما نفّذوا تحرّكات عفوية في ساحتي الغبيري وكنيسة مار مخايل، لتصير هذه التحركات شبه يومية.

خط سرقة

تتهم الحكومة أبناء الضاحية بأنهم «سارقو كهرباء». ويشير علي مخلوف، وهو أحد القاطنين في حي فرحات، إلى أن الأزمة تطوّرت لديهم منذ قرابة الشهر بشكلٍ كبير، لافتاً إلى أن عدد ساعات التغذية خلال 24 ساعة لا يتعدّى 4 ساعات، مشيراً إلى أنه حتى خلال هذه الساعات تُقطع الكهرباء أحياناً كثيرة، وهو أمر يبرّر، حسب رأيه، لجوء سكّان المنطقة إلى سرقة خط آخر من مشروع الربيع الكائن في منطقة أرض جلّول، حيث لا تُقطع الكهرباء أكثر من أربع ساعات خلال 24 ساعة.
وتبدو منطقة الغبيري كأنها مجهّزة لحالات التقنين القاسي، حيث تتشابك الكابلات الخارجية وتكثر لوحات المفاتيح الكهربائية على مداخل الأبنية. ويقول حمزة عوّاد إن عدد ساعات التغذية لا يزيد على 8 ساعات يومياً، مشيراً إلى أن فاتورة الكهرباء يصل سعرها إلى 50 ألف ليرة، في حين أنهم لا يمتلكون مكيِّفاً أو سخّاناً على الكهرباء، وهو أمر دفع بالكثيرين، كعائلته، إلى الاعتماد على ups خاص بهم، لأن كلفة الاشتراكات عالية. في حين تشير فدوى رمضان إلى أن الكثير من سكّان المنطقة يسرقون الكهرباء من خطوط الإنارة، لكنها لا ترى في ذلك أي مشكلة، لأن فواتير الكهرباء تصل إلى 100 ألف ليرة شهرياً، مشيرة إلى أن زيادة التقنين أصبحت مشكلة كبيرة، لأن أصحاب المولدات في المنطقة أصبحوا يتذرعون بأن المولِّدات غير قادرة على تأمين الكهرباء أكثر من 8 ساعات يومياً، فيمارسون بذلك تقنيناً آخر على السكّان الذين يدفعون فاتورتي كهرباء مقابل خدمة سيئة.
ويشير عبد، وهو صاحب أحد مقاهي الإنترنت في منطقة حارة حريك، إلى أنه اضطر إلى شراء ups ضخم، وصل سعره إلى 4000 آلاف دولار، لأن كهرباء الاشتراك تفسد أجهزة الكومبيوتر وتضطره إلى شراء قطع بديلة بتكاليف عالية، مشيراً إلى أنه يعاني الآن مشكلة أخرى تتعلق بنوعية الكهرباء التي يغذي بها الـ ups، والتي إذا تلاعبت، فقد تحرق bord البطارية، وهي تكاليف لم يعد يتحمّلها، وفق تعبيره.
وفي منطقة معوّض، التي تعاني تقنيناً أقسى من باقي المناطق، استعرض يوسف حيدر، وهو صاحب محل ألبسة، فواتير الكهرباء، مشيراً إلى أن أقل فاتورة بينها هي 99 ألف ليرة. ويقول إنه يفكّر بالتوقّف عن دفع هذه الفواتير والاعتماد على خط الاشتراك، لأن الدولة لا تغذّي الشارع أكثر من ست ساعات خلال 24 ساعة، لافتاً إلى أن غالبية ساعات التغذية هي في الليل، لأن الاستهلاك أقل، قائلاً إنه يدفع 200 دولار للكهرباء بدل اشتراك في منزله ومتجره.



280 ليتراً

هي ما يستهلكه المولِّد الواحد من المازوت في منطقة معوّض خلال 4 ساعات، حيث أشار صاحب المولِّد، علي شاهين، إلى أن الكلفة الإجمالية عليه تبلغ 351 ألف ليرة كل أربع ساعات تغذية، لافتاً إلى أنه يوفّر الكهرباء لغالبية محال ومنازل المنطقة، وهو لم يمتنع عن الشكوى من ارتفاع أسعار المازوت، حيث استهجن وصول سعر تنكة المازوت إلى 26 ألف ليرة.

50 ألف ليرة

هي كلفة الاشتراك لدى المولّد الخاص بقدرة 5 أمبير على المستهلك، وترتفع الكلفة في بعض الأحياء إلى 60 ألف ليرة شهرياً، في حين أشار علي شاهين إلى أن الشبكة لديه أصبحت تتعرّض لضغطٍ كبير، ما يجبره على تشغيل مولِّدين ضخمين في الوقت نفسه، قائلاً إن ساعات التغذية ارتفعت، وأرباحه انخفضت بشكلٍ ملموس خلال الفترة الأخيرة، مشيراً إلى أنه افتتح مشروعه على أساس تغطية عدد قليل من الساعات، حيث تقوم الدولة بفرض تقنينها، وليس على أساس الحلول مكان الدولة في تأمين خدماتها.

4000 دولار

هو سعر الـ ups الذي يضطر أصحاب مقاهي الانترنت الى شرائه لمعالجة أزمة انخفاض التغذية بالكهرباء وخصوصاً أن كهرباء الموتورات تفسد أجهزة الكومبيوتر.