strong> كامل جابر ومريانا نصر
• الأوضاع السياسية تؤثر سلباً... والنزوح يحوّل الأنظار إلى الجيل الجديد
مع بدء فصل الخريف، يتحول المشهد في مدينة جزين ريفياً وسياحياً بامتياز، لكن الدخول إلى واقع القطاع السياحي في المنطقة يعكس صورة معاكسة، إذ إن الإفادة من موسم السياحة في جزين محصورة جداً، وذلك بسبب جملة من المعوقات منها زيادة الضرائب والأكلاف، وغياب الاهتمام الرسمي بهذه المنطقة
موسم الركود السياحي في جزين يستمر أشهراً متعاقبة، فتدخل الصناعة الحرفية الجزّينية، من سكاكين وخلافها في شبه سبات، وتقتصر الحركة على الإنتاج أكثر منها على البيع، وتنحصر إفادة السكان في فصول الخريف والشتاء والربيع ببعض الزراعات الموسمية وكروم التفاح فضلاً عن بعض الدكاكين والمحال التجارية، إذ إن المطاعم في هذه المواسم يقتصر نشاطها على سهرات عطل الأسبوع أو الأعياد. وقد رفع تجار جزين الصوت عالياً، أكثر من مرة، مطالبين الدولة بمساواتهم بالفنادق ودعمهم بفاتورة الكهرباء أو المحروقات مثلاً، لكن أصواتهم لم تلق الصدى الرسمي. لا بل لم تنفّذ الدولة وعودها بالتعويض على المؤسسات السياحية التي تضرّرت في حرب تموز 2006، التي تركت آثارها السلبية على مختلف القطاعات في المدينة.

انتعاش أيام الاحتلال!

هذه الصورة الاقتصادية شبه القاتمة والمتفاوتة في جزين، كانت تنعشها في زمن الاحتلال الإسرائيلي رواتب المجندين في صفوف «جيش لبنان الجنوبي» المتعامل مع الاحتلال. بيد أن المدينة وفاعلياتها بذلت بعد التحرير في أيار عام 2000 جهوداً حثيثة في سبيل نفض غبار الاحتلال عن جزين وإعادة المكانة للحركة السياحية. وعلى الرغم من بعض الحركة الناشطة التي يشهدها هذا القطاع بين الحين والآخر، فإنه لم يزل يعاني من مشاكل عديدة يتصدرها ارتفاع قيمة الضرائب التي باتت تثقل كاهل المؤسسات السياحية، وتؤثر عليها سلباً، إذ إنها تحدّ من إمكاناتها التطويرية وبالتالي من قدرتها على منافسة المؤسسات السياحية الضخمة الموجودة في المناطق السياحية الكبرى.

التعويل على الجيل الجديد

ويتحدث رئيس بلدية جزين المحامي سعيد أبو عقل عن «ارتياحنا للتطور الإيجابي الذي شهدته مدينة جزين منذ عام 2001، أي بعد التحرير، وتزامن ذلك مع انتخاب مجلس بلدي جديد حمل الكثير من المهمات التي كانت مطلوبة بعد عشرين سنة من الاحتلال المباشر، فهوية جزين سياحية وتاريخها الاصطيافي عريق، إذ قبل عام 1948 كانت مصيف العرب، لكن نشوء كيان الاحتلال الصهيوني أقفل أبواب جزين السياحية في وجه العرب، ثم استعادت المنطقة لاحقاً بعضاً من مجدها السياحي المحلي، ثم أتى الاحتلال المباشر ليحاصرها ويفقدها على مدى عدة سنوات بريقها السياحي ويتسبب بحركة نزوح كبرى».
ويتابع «هذه المشاكل المتتابعة سبّبت جملة من التبعات على المنطقة بعد التحرير، فبدأ العمل من أجل حل هذه المشاكل وازدهار هذا القطاع، والمحافظة على مستواه الأول في الجنوب، معتمداً على جو التعايش في جزّين بحكم موقعها الجغرافي الحساس». وأضاف «لكن النزوح تسبب بضرر كبير، والعودة لم تكن سريعة، بل بوتيرة بطيئة جداً أوقفت النزوح لكنها لم تشجع عودة الجميع، وما يمكن أن يعزينا في تكامل دورة الحياة والناس مستقبلاً، هو التعويل على الأجيال الجديدة بعد فقدان الأمل بأبناء جزين الذين اعتادوا الحياة خارج أرضهم».

مهرجانات قطعها العدوان

ويشير أبو عقل إلى تخطّي عقبة الحاجز النفسي الذي ولّده الاحتلال بين جزين وجوارها الجنوبي القريب والبعيد، وقد «تشجعنا على إقامة المهرجانات التراثية السياحية بدءاً من عام 2000 حتى عام 2005، وقد توقفت عند هذا التاريخ لأن عدوان عام 2006 ألغى مظاهر الفرح والسياحة بعدما استقطبت المدينة آلاف النازحين وكان عليها أن تقوم بكثير من المهمات تجاههم. كذلك جاءت أحداث نهر البارد في عام 2007 ووجدنا أنفسنا من النواحي الوطنية والنفسية والاجتماعية غير قادرين على القيام بأي حركة سياحية لافتة، فألغينا المهرجانات لأن الجيش اللبناني كان في دائرة الاستهداف». ويجمع تجار جزين، على أن الموسم السياحي لهذا العام كان مقبولاً، برغم تأخره لغاية 10 تموز. ويرى رئيس جمعية تجار جزين طوني رزق «أن الموسم السياحي في جزين كان جيداً على الرغم من أن أحداث نهر البارد قد تسببت في المرحلة الأولى من الموسم ببعض الإحباط، وأدت الى تأخير العام السياحي لغاية تموز».

افتقاد السيّاح

ويشير رزق إلى أن الحركة السياحية في السابق كانت جيدة جداً، «إلا أنها اليوم تفتقد السائح الاجنبي والعربي، قد لا يكون هذا الأمر على صعيد جزين فقط، بل على صعيد الوطن، لذلك تقتصر الحركة في المدينة على السياحة الداخلية وعلى عدد من المغتربين اللبنانيين الذين ارتادوها في مطلع شهر آبويضيف: «إن الطابع اللبناني يبقى غالباً على السياحة في جزين، وبعد عشرين عاماً من العزل والاحتلال، باتت جزين لا تتمتع بمتطلبات السائح العربي من فنادق فخمة وشقق مفروشة، وتجدر الإشارة الى أن السائح العربي قبل الأحداث كان يمثّل العمود الفقري للسياحة في المدينة، وكانت معظم الفنادق تطلق أسماءها نسبة الى دول وعواصم عربية على نحو فندق القاهرة، وفندق مصر وفندق فلسطين». وفي هذا السياق يرى صاحب مطعم صخرة الشلال دياب عون، أن عدوان تموز قضى على موسم السياحة هذه السنة، فيما كانت تأثيراته على عام 2006 قاتلة، وتعويض خسائر العدوان يحتاج إلى جهد إضافي، هذا إذا كانت الأوضاع الأمنية هادئة وليس هناك ما يعكر صفوها».
ويضيف «على الرغم مما يمثّله هذا القطاع من أهمية بالنسبة الى اقتصاد جزين، فإن العاملين في هذا القطاع من أبناء المدينة يؤلفون نسبة قد لا تتجاوز العشرين في المئة، وتعد هذه النسبة متدنية بالمقارنة مع ما تمثّله السياحة من حركة في المدينة، ويعود سبب هذه النسبة المتدنية من العمال إلى ندرة المتخصصين في الحقل الفندقي من أبناء جزين». لافتاً إلى أن «المدرسة الفندقية تقوم حالياً بتأهيل وإعداد شباب جزينيّين للعمل في هذا المجال، ونتوقع بعد تخرج هؤلاء الشباب في التخصص الفندقي أن يصبح بإمكان القطاع السياحي توفير معيشة ما بين 40 و50 عائلة جزينية. وتبقى هذه النسبة متدنية في مقابل الصفة السياحية للمدينة».

خطة مرهونة بالأوضاع

وفيما يتحدث رزق عن وجود خطة لتفعيل هذا القطاع على مختلف الصعد، و«يبقى تنفيذها رهناً بالأوضاع الاقتصادية والأمنية»، يشير «الى أن ما يتطلبه هذا القطاع هو تفعيل الدور السياحي والتركيز أكثر على المطاعم لتقديم اداء سليم ومميز». ويلفت عون إلى أن «جزين لم تأخذ حقها الإعلامي، فالمجلة السياحية التي تصدر عن وزارة السياحة لا تخصص مساحة كافية للإضاءة على جزين». لافتاً إلى «أن الدعاية للإقبال على منطقة جزين معدومة بالمطلق على اللوحات الاعلانية المنتشرة على مختلف الطرق». ويؤكد أهمية تفعيل الدور الإعلامي بالتعاون مع بلدية جزين ووزارة السياحة «وندعو إلى اقامة موقع إلكتروني يشارك فيه جميع تجار وحرفيي جزين ومنطقتها».
ويتوقع أبناء جزين أن يؤدي تأهيل طريق صيدا ـــــ جزين، إلى تخفيف المعاناة الطويلة التي عاشها الاهالي بسبب الحفر الممتدة على طول الطريق، دوراً في الجذب السياحي، بعدما تأمنت السهولة في الانتقال بين عاصمة الجنوب صيدا وبين جزين وجوارها، وصار بإمكان «الصيداوي» الوصول الى جزين خلال ربع ساعة من الوقت.

مطالبة بالاهتمام البيئي

أما الهاجس البيئي فهو أحد أبرز المشاكل التي يعانيها هذا القطاع، وخصوصاً مع غياب إمدادات الصرف الصحي في المدينة وتحويل المياه المبتذلة الى شلال جزين، وما يترتب على ذلك من روائح كريهة تنتشر في محيطه حيث معظم المقاهي والمطاعم. ويقول عون: «بعد سنين طويلة من الاحتلال يجب على الدولة أن تعير هذه المنطقة اهتماماً أكبر، وتمنحها امتيازات تسهّل تطوير هذا القطاع وتجعلها قادرة على منافسة المناطق السياحية الاخرى. فعندما كانت تبنى الفنادق الفخمة في وسط مدينة بيروت كانت جزين لم تزل تحت نير الاحتلال».
ولتعزيز القطاع السياحي، يطالب التجار كذلك بتسهيلات في القروض المصرفية وتشجيع المتمولين على استثمار أموالهم في تنفيذ مشاريع ضخمة في المنطقة توازي المشاريع السياحية القائمة في العاصمة والمناطق السياحية الأخرى.



تقصير وزارة السياحة

على الرغم من جهود فاعليات المنطقة في سبيل توفير دورة سياحية متكاملة تعيد أيام العز إلى جزين، فإن غياب الاهتمام بهذه المنطقة يتواصل. ويقول رئيس بلدية جزين المحامي سعيد أبو عقل إن «وزارة السياحة مقصّرة بحقنا، فهي لا تولي المنطقة الاهتمام على الرغم من تمتعها بمناظر طبيعية وتراثية رائعة جداً، كذلك لم نعط بعد التحرير الاهتمام اللازم، وما يقام في جزين هو بمجهود فردي بين البلدية وجمعية تجارها وحرفييها والجمعيات الأهلية فقط. لكننا سوف نواصل عملنا من دون كلل حتى نجترح الحياة والسياحة في جزين».