احتفل العالم، في 21 آذار المنصرم، باليوم العالمي للغابات تحت عنوان «الغابات والمدن المستدامة». فيما يواصل لبنان، بشكل مستمر، خسارة غاباته وغطائه الأخضر، خصوصا الأحراج والأشجار بالقرب من المدن، بسبب التمدد العمراني وشق الطرقات والحرائق وغيرها من المشاكل البيئية. التقارير الوطنية والدولية تؤكّد أن لبنان فقد، بين عامي 2000 و2017، ما لا يقل عن 3200 هكتار من الغابات بسبب التمدد العمراني فقط. وتقضي الحرائق على مساحات شاسعة من الاحراج بمعدل 1500 هكتار سنوياً، غالبيتها على أطراف المدن والبلدات اللبنانية. أما داخل المدن، فتنحصر المناطق الخضراء ببعض الحدائق الخاصة والمنتزهات العامة... المحدودة جداً.
طريق المتن السريع مثال للطرق السيئة التنفيذ نظراً الى تأثيره المخيف على الغطاء الأخضر المجاور للعاصمة

ويؤدي الافتقار إلى التخطيط المدني وعدم كفاية الأنظمة المدنية إلى تسهيل التوسع العمراني على حساب المناظر الطبيعية. فيستهلك التمدد العمراني العشوائي ما تبقى من غابات حول المدن. إنشاء ما يسمى بالطرق السريعة في المناطق الجبلية المجاورة للمدن، من دون إجراء أي نوع من تقييم للأثر البيئي، يضع ضغوطاً على موارد الأراضي المتضائلة ويتسبب في أضرار لا يمكن إصلاحها في المناظر الطبيعية. ويعد طريق المتن السريع مثالاً لافتًا للطرق السيئة التنفيذ نظراً الى تأثيره المخيف على الغطاء الأخضر المجاور لمدينة بيروت.

قوانين لا تُطبّق
في لبنان قوانين ومراسيم وقرارات وزارية تعنى بالغابات وحمايتها وإدارتها، أهمها قانون الغابات لعام 1949، القانون رقم 85 لعام 1991، القانون رقم 588 لعام 1996، إلى جانب قوانين اخرى متعلقة بالبيئة. لكنها كلها تحتاج الى تحديث وتطوير، والأهم الى تطبيقها لحماية ما تبقى من الغطاء الحرجي. كما ينبغي تحديث قوانين التنظيم المدني والتشدد في تطبيقها خصوصاً لناحية الحفاظ على حد أدنى من مساحة الغابة في الأراضي الخاصة والتي هي ذات منفعة عامة.
بحسب المعايير الدولية، تنصح منظمة الصحة العالمية بأن توفّر كل مدينة مساحة خضراء لا تقل عن 9 أمتار مربعة للشخص الواحد. مدينة فيينا، على سبيل المثال، توفّر ما يقارب 20 متراً مربعاً من المساحات الخضراء لكل شخص، فيما توفّر اسطنبول، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 14 مليوناً، 6.4 أمتار مربعة من المساحات الخضراء لكل شخص من سكانها. أما النتائج المستخلصة من تقييم الغطاء الأرضي داخل محافظة بيروت، عبر استخدام تقنية الاستشعار، فقد أظهرت أرقاما خجولة جدا للمساحات الخضراء المتبقية التي لا تتخطى 183 هكتارا. بذلك توفر محافظة بيروت نحو 3.9 أمتار مربعة للفرد الواحد من سكانها، وهي واحدة من أدنى النسب في العالم.
الأراضي الحرجية والأشجار في المدن، وعلى أطرافها، تؤدي مجموعة واسعة من الوظائف الحيوية مثل الحد من ملوّثات الهواء، والمساعدة في توفير الطاقة والمياه.

للصورة المكبّرة انقر هنا

ومن أجل أخذ بعض العبر فقط، تسعى مدينة فانكوفر التي احتلت مكانة ثابتة في المراكز العليا للمدن التي يمكن العيش فيها بشكل سليم وصحي، إلى أن تصبح «المدينة الأكثر خضارا في العالم بحلول عام 2020». لذلك يعمل القيمون على المدينة مع المقيمين والشركات والمؤسسات لتنفيذ «خطة العمل لعام 2020». ومن بعض أهداف هذه الخطة زرع 150 ألف شجرة إضافية، وضمان عيش كل شخص على مسافة لا تتجاوز 5 دقائق سيرا على الأقدام من أقرب معلم طبيعي.
أما بكين، وهي واحدة من أكثر مدن العالم تلوثاً واكتظاظاً، فقد أطلقت عام 2010 برنامج التشجير والتحريج الأكبر في تاريخها. فتم تحريج معظم الأراضي في الضواحي والمناطق شبه الحضرية. وباتت الغابات اليوم تغطي أكثر من 25 في المئة من مناطق المدينة وتوفر للأحياء السكنية مساحة أكبر للاستجمام والترفيه في بيئة صحية أفضل.
اليوم، من الضروري جداً لمدينة بيروت، كما للعديد من المدن الأخرى في لبنان، أن تتخذ خطوات للاستثمار في رؤية خضراء. إذ يمكن لموارد الأشجار أن توفر، طوال فترة حياتها، حزمة منافع بيئية واقتصادية واجتماعية تزيد قيمتها مرتين أو ثلاث مرات على تكلفة إنشائها ورعايتها.