منير أبو عسلي*
أحبائي،
لقد أتيتم من كل أنحاء العالم لتجتمعوا وتعطوا كليتكم أفضل ما عندكم من علم وخبرة.
لقد كان إنشاء كليتكم حلماً رائعاً راودنا منذ الستينيات، وتحوّل إلى واقع جميل في الثمانينيات.
لكّن الولادة كانت قيصرية، وكان على الكلية أن تجابه تحديات كبيرة لتستمرّ.
كان عليها أن تنطلق بتسع دفعات من الطلاب بدل واحدة، ومن دون أن يرصد لها أي مبنى أو تجهيزات.
كان عليها أن تقاوم الشحّ في موازنتها، وأن تتغلّب على شرور الحرب من قصف ودمار وتهجير، وتشتيت لفروعها، ومحاولات خطف لمؤسيسها.
صمدت أمام التهديدات، ولم يرضخ بُناتها لمشيئة الميليشيات،
تشبثّت بتطبيق القانون الذي كان خشبة خلاصها في ظل غياب كامل لدولة القانون والمؤسسات،
فكان قرارها الأقوى بتصميمها على بناء مصداقية لا تتزحزح أمام العواصف والرغبات الخاصة،
كان الأقوى من أجل بناء كيان لها يحترمه ويقدّره الجميع أمام كليّتين عريقتين، تكبرانها بأكثر من مئة عام، كان الأقوى ببرهانها، أمام الملحقين الثقافيين في سفارات فرنسا، وإنجلترا، وبلجيكا، وكندا، والولايات المتحدة، أن مستواها الأكاديمي والطبي يرقى الى المستوى العالمي، ما يسمح لمتخرجيها بمتابعة إختصاصاتهم في أي من هذه البلدان إذا ما أرادوا.
بإختصار كان على كليتكم أن تثبت أن متخرجيها أهل لقسم أبيقراط، فباشرت بتطبيق نظام قبول مبني على الكفاءة دون غيره من المعايير الطائفية، أو الحزبية، أو المحاصصية، فاستطاعت، وعلى مدى خمسة وثلاثين عاماً، وبفضل رؤساء الجامعة، وعمدائها، ومديريها، وأساتذتها، وموظفيها، أن تؤمّن ديموقراطية التعليم العالي في العلوم الطبية في إطار أكاديمي عالي الجودة!
تفوّق طلابها بذكائهم، وتمّيزوا بصلابتهم، نهلوا العلم بعزم المحارب وشدّته وتصميمه، حققّوا أحلامهم بمثابرة لا تهدأ، وإرادة لا تتعب، لنيل ثقة مرضاهم، ليصبحوا، وبكل جدارة، مؤتمنين على صحتنا، وصحة أولادنا، واهلنا، وعلى صحة وطننا، وليثبتوا أيضا مكانتهم أمام الجسم الطبي الوطني والعربي والدولي.
يشكّل هذا اللقاء اليوم، يوماً كبيراً تفتخر به كليتكم، واعتبره على الصعيد الشخصي، من أسعد أيام حياتي المهنية، فهو يرمز إلى جنى العمر، فكما زرعت كليتكم بالأمس، تحصد اليوم ، كيف لا، وأعدادكم تعدّت عشرات المئات، وأصبح منكم رؤساء أقسام بارعون في أهم الجامعات والمستشفيات الأميركية، والأوروبية، واللبنانية ، وعمداء وأساتذة، وباحثون، ونقابيون مميزون.
فهنيئا لكلية العلوم الطبية بأبنائها وبناتها الذين تهافتوا لإنشاء تجمّع للخريجين، وجاؤوا أقوياء بإتحادهم ليكرّموها، ويمدّوا يد العون إلى إخوتهم المتدرّجين في بناء مستقبلهم، ويعطوهم فرصة المتابعة، كما أعطتهم كليتهم فرصة العمر، ويعزّزوا ثقافة البحث العلمي الذي يرفع مستوى تقديم الخدمات الطبية إلى أرقى مراتبها.

*العميد المؤسّس لكلية العلوم الطبية في الجامعة اللبنانية

** كلمة ألقاها في المؤتمر الطبي الأول للمتخرجين الأسبوع الماضي.