احتلّ لبنان المرتبة الأولى بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بمرض السرطان قياساً بعدد السكان، بحسب تقرير صدر حديثاً عن منظمة الصحة العالمية. ولفت التقرير الى أن هناك 242 مصاباً بالسرطان بين كل 100 ألف لبناني، فيما سُجلت أكثر من 17 ألف إصابة جديدة في 2018، ونحو تسعة آلاف وفاة بالمرض. هذه الأرقام تبدو نتيجة «طبيعية» للتلوث الذي يفتك بالبلد على كل المستويات منذ سنوات. وهي تجعل ضحايا السرطان في السنة أكثر من عدد الضحايا الذين سقطوا بين اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 وعدوان تموز 2006، والذين يقدّرون بخمسة آلاف ضحية سنويا8976 حالة وفاة بسبب مرض السرطان سُجّلت في لبنان عام 2018، بحسب تقرير صدر الأسبوع الماضي عن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية. وأشار التقرير الى تسجيل نحو 17 ألفاً و294 إصابة جديدة في لبنان هذا العام. فيما بلغ عدد المصابين بالمرض في خمس سنوات نحو 41 ألفاً و843 شخصاً؛ 22 ألفاً و250 منهم من النساء و19 ألفاً و593 من الرجال.
التقرير أوضح أنه من بين كل 100 ألف لبناني، هناك 242 مصاباً بالسرطان، وهي النسبة الأعلى بين دول غرب آسيا. إذ حلّ لبنان في المرتبة الأولى على صعيد تصنيف الإصابات قياساً لعدد السكان، فيما احتلّ المرتبة الثالثة في تصنيف الوفيات قياساً لعدد السكان (يقتل السرطان أكثر من 119 شخصاً من بين كل 100 ألف). وهو يأتي بعد أرمينيا التي تحتل المرتبة الثانية (134 شخصاً)، وتركيا التي تحل في المرتبة الأولى (121 شخصاً من بين كل 100 ألف).
مصادر في وزارة الصحة اللبنانية عزت ارتفاع معدلات الإصابة الى عامل «الإكتشاف المبكر للمرض عبر الفحوصات الدورية التي بدأ يستجيب لها اللبنانيون تداركا لتفاقم الوضع». لكنها أقرّت لـ«الأخبار» بأن أرقامها «تُثبت أن لبنان من البلدان التي تُسجّل فيها أعلى مُعدّلات الإصابة بالسرطان في المنطقة». والسبب الرئيس لارتفاع هذه المعدلات، بحسب المصادر، يكمن في نسب التلوث المرتفعة التي شهدها لبنان في السنوات القليلة الماضية، وارتفاع نسبة المدخنين في شكل لافت.


نائبة رئيس جمعية حماية المُستهلك الدكتورة ندى نعمة أشارت إلى علاقة مضطردة لهذه الأرقام بالتلوّث الغذائي الذي يتفاقم في ظل غياب التشريعات المتعلقة بمراقبة سلامة الغذاء وعدم اتخاذ الجهات المسؤولة أي تدابير للحدّ من هذا الأمر. ولفتت في اتصال مع «الأخبار» إلى عدم إلزامية إجراء بعض الفحوصات المخبرية لعدد من المواد الغذائية التي تدخل إلى لبنان كما يحصل في بقية الدول، إذ أن «فحص المبيدات، مثلاً، لم يكن إلزامياً للأرز المستورد. ولولا اكتشاف ترسّبات لمبيدات كيميائية في بعض أنواع الأرز الموجود في السوق لما فُرضت هذه الفحوصات مؤخراً». وأوضحت نعمة أن ترسبّات المبيدات من أهم مسببات التلوّث الغذائي، إضافة إلى عوامل تلوّث التربة والمياه. وأشارت الى أن أبحاثاً أُجريت أخيراً بيّنت ارتفاع نسب معدلات المعادن الثقيلة، كالزرنيخ وغيره، في المياه.
وكشفت دراسة ميدانية أجراها طلاب كلية الصحة في الجامعة اللبنانية العام الماضي أن اللبنانيين يتناولون مادة النيترات بكميات أكبر بأضعاف من تلك المسموح بها بسبب تسرّب الزرنيخ من الهواء الى المياه الجوفية. وبحسب النائب السابق الناشط الدكتور اسماعيل سكرية، فإنّ هذه النسب «من المؤكد أنها تضاعفت خلال السنوات الماضية مع ارتفاع أعداد الكسارات في لبنان».
ويؤكّد خبراء بيئيون تحدثت اليهم «الأخبار» أن ارتفاع نسب الاصابة السرطان «نتيجة حتمية» للتدهور البيئي الذي يشهده لبنان ولسوء إدارة المعنيين للأزمات البيئية التي تعرّض لها. والمثال الأكثر وضوحاً أزمة النفايات التي اندلعت صيف عام 2015 وأدت الى انتشار أكثر من ألف مكبّ نفايات تتعرض للحرق العشوائي أو يجري طمر النفايات فيها من دون اتخاذ اجراءات تحول دون تسرب عصارتها الى المياه الجوفية. وأكّد تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، في كانون الأول الماضي، أن الحرق العشوائي للنفايات في الهواء الطلق منذ عام 2015 أدى إلى ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض القلب وسرطان القولون والرئة بين اللبنانيين.
أبحاث أُجريت أخيراً بيّنت ارتفاع معدلات المعادن الثقيلة كالزرنيخ في المياه


كذلك بيّنت نتائج دراسة أعدّها باحثون من الجامعة الأميركية في بيروت في الفترة نفسها تضاعف مادة «الديوكسين» المسرطنة في الهواء 416 مرة مقارنة بنتائج دراسة أجريت عام 2014. ونتج عن ذلك ارتفاع احتمال الإصابة بالسرطان من معدل شخص بالغ و4 أطفال من أصل مليون نسمة إلى 34 بالغاً و176 طفلاً من كل مليون نسمة في المناطق السكنية المكتظة التي تشهد حرقاً عشوائياً للنفايات.
بالعودة إلى أرقام التقرير، احتل سرطان الثدي النسبة الأكبر (18.6%) من إجمالي نسب الإصابات الجديدة (3219 إصابة)، يليه سرطان المثانة (1820 ــــ 10.5%)، ثم سرطان الرئة (1641 ــــ 9.5%)، فسرطان البروستات (1503 ــــ 8.7%)، والقولون (1463 ــــ 8.5%). وتوزعت نسب الإصابات الجديدة بين 8485 للنساء و8809 للرجال، فيما توزّعت أعداد الوفيات خلال عام 2018 بين 3983 من النساء و4993 من الرجال. أمّا عالمياً، فقد أشار التقرير الى تسجيل نحو 18.1 مليون إصابة جديدة في 2018 فيما سجّلت وفاة 9.6 شخص.


53 مليون دولار
هو المبلغ الذي أنفقته وزارة الصحة اللبنانية على أدوية السرطان للمرضى اللبنانيين الذين يتلقّون علاجهم على نفقة الوزارة عام 2017، والبالغ عددهم نحو 6 آلاف مريض. بحسب المعنيين في مركز توزيع الدواء التابع للوزارة، ثمة تحديات من المقرر أن تواجهها الحكومة اللبنانية تتمثل بارتفاع خطر انقطاع أدوية السرطان بشكل دوري نتيجة ازدياد أعداد المرضى وعدم توفر التمويل اللازم في ظل اعتماد سياسة استيراد الأدوية الغالية الثمن. وهذا الأمر يتطلّب، بحسب المصادر، اتباع سياسة دوائية بأكلاف مدروسة من جهة، وتراعي بروتوكولات السرطان من جهة أخرى.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره