تعطّلت الحركة المعهودة في هذا الوقت من العام في البلدات الكسروانية الجبلية. عدم تساقط الثلوج على تلالها حرم اهاليها موارد الانشطة السياحية والرياضية في فصل الشتاء، إلا أن بخل الطبيعة لم يعد الحديث الذي يشغل بال السكان، فهم يعانون أزمة مختلفة بدأت تطرق بابهم: شح المياه في منازلهم. يتذمر جوزيف من هذا الواقع، متسائلاً: «كيف يمكن لبلداتنا، المحاطة بينابيع يمكنها أن تروي كل لبنان، أن تعاني في شهر شباط هذا الشح، وأن يجبر أبناؤها على شراء المياه؟».

يقول: «المشكلة تعود بالطبع إلى عدم تساقط الأمطار والثلوج على نحو كافٍ هذا العام». أما إيلي، فيعيد «المسألة إلى إفراغ سد شبروح من المياه في تشرين الثاني الماضي لإجراء أعمال الصيانة»، مرجحاً أن يكون هناك «مشكلة ما في السدّ دفعت المسؤولين عنه إلى إفراغ مياهه، وجرّها إلى البحر لإجراء الصيانة».
نظريات كثيرة يتناقلها أبناء تلك البلدات الكسروانية المحيطة بالسد، لتفسير سبب عدم وصول المياه إلى منازلهم، لكن أحد المسؤولين عن السد في المنطقة، ينفي أن تكون عملية إفراغ كميات كبيرة من المياه في تشرين الثاني الماضي قد جرت بسبب خلل في السد، مؤكداً أن «المياه الموجودة فيه كانت عكرة وغير قابلة للاستعمال». فسد شبروح صُمم أساساً لكي يؤمن المياه لمنطقة كسروان خلال أشهر الشحّ، أي من حزيران إلى تشرين الثاني، وهو يمتلئ بين نيسان وأيار لكي يفرغ على نحو شبه كامل في تشرين الثاني من كل عام. وبحسب مصادر وزارة الطاقة فإن «كل ما يُقال اليوم عن أنه أُفرغ ليس صحيحاً، لأن الأمر نفسه يحدث كل سنة في شهر تشرين الثاني تحديداً»، مشيرة إلى أن أعمال الصيانة يجب أن تُجرى دوريا، وهذا لا يعني أن هناك مشاكل تقنية في السدّ.
بدوره، ينفي رئيس بلدية فاريا نضال خليل ما يتناقله الأهالي عن فضيحة في بناء السد، مشيراً إلى أن «الإعلام هو الذي وضع في عقول الناس أن المشكلة في السد، لكنها تكمن في مكان آخر، وتحديداً في سوء إدارة توزيع المياه». ويدعو إلى وقف التضليل في هذا الإطار، لأن السدّ سيمتلئ في أيار كما يجري كل عام، لكون ذلك لا يعود إلى نسبة هطول الأمطار، أو إلى حجم تراكم الثلوج، بل هو يتغذّى خصوصاً من مياه نبع العسل. وهذا النبع ينتج حوالى الـ40 مليون متر مكعب من المياه، فيما يحتاج السد لكي يمتلئ إلى 5 ملايين متر مكعب، موضحاً انه «إذا كانت المشكلة من عدم تساقط الأمطار، فإن الشحّ سيظهر العام المقبل لا هذا العام».
ويرى خليل أن الدليل القاطع على أنه لا علاقة بين قلّة وصول المياه إلى المنازل وعدم امتلاء سد شبروح، يكمن في كون بلدته فاريا لا تستفيد ولا تشرب بتاتاً من مياه السدّ لكونها غير متصلة به، برغم وجوده ضمن نطاقها، وهي تعاني هذه المشكلة على نحو كبير.
المفارقة تكمن في بيان كان قد صدر عن مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان في 30 تشرين الأول الماضي، قبل ساعات من بدء أعمال الصيانة في السد، التي دامت 15 يوماً، ابتداءً من 1 تشرين الثاني 2013، تتمنى فيه على المشتركين أخذ العلم واتخاذ الاحتياطات اللازمة، معلنة أنه بسبب أعمال التنظيف والصيانة «ستضطر إلى اعتماد برنامج تقنين جديد، ما يقلل ساعات التوزيع، وسيعاود التوزيع المعتاد بعد انتهاء أعمال الصيانة». فالمؤسسة إذاً تربط بين صيانة السدّ وتقليل ساعات التوزيع، الأمر الذي يستغربه خليل، لكون المؤسسة تقوم عادة، بين تشرين وأيار من كل عام، بتسيير مضخّاتها لضخّ المياه من الينابيع والآبار الارتوازية على المناطق، ولا تعتمد على السدّ أساساً. ويتساءل: «هذا السد عمره 7 سنوات، فكيف كانت تشرب المنطقة كلها قبله؟ وأين مياه نبع العسل والينابيع الأخرى؟ هل يريدون تبرير أخطائهم بحجّة عدم تساقط الأمطار هذا العام؟». ويدعو خليل الناس إلى المطالبة بطريقة توزيع منطقية للمياه، وإلى عدم الخوف من تنظيف السد لكون ذلك واجبا وضرورة، وما يجري اليوم يتعلق خصوصاً «بقلة الانتباه والتدبير».
مصادر وزارة الطاقة أيضاً ترمي الكرة في ملعب مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، التي حاولنا الاتصال بمديرها العام جوزيف نصير، لكننا لم نلق جواباً.
وتجدر الإشارة إلى أن مشكلة شبيهة تعانيها أيضاً بلدات متنية منذ أشهر، مما دفع عدداً من رؤساء بلدياتها ومخاتيرها وأهاليها إلى التجمع أمام محلة نبع قطين عازار، احتجاجاً على انقطاع المياه في كانون الثاني الماضي. وفي هذا التحرك، حمّل الأهالي مسؤولية «هدر المياه التي تذهب سدى إلى البحر» لمؤسسة المياه بشخص مديرها العام، مما دفع بنصير إلى التوضيح أن الضخّ يجري في أوقات التغطية بالتيار الكهربائي، وأن عدم تشغيل المضخات عند انقطاع التيار يعود إلى تخطي موازنة شراء المحروقات.