خلال سنة 2013، أُنشئ «المكتب الإعلامي» لمجلس القضاء الأعلى. وقد أشارت مجمل التصريحات المهيئة إلى إنشاء المكتب الا أنه يعكس تغيراً في منطق القضاء عملاً بمبدأ الشفافية وحق المواطن في المعرفة (1). فبدل رفض التداول الإعلامي لشؤون القضاء على أساس أن القضاء صامت وليس بإمكانه الإجابة عن التعرض له[1]، يقبل مبدأ الحرية الإعلامية في هذا المجال على أن يتولى المكتب الإعلامي اخراج القضاء من حالة الصمت. إلا أن كيفية عمل المكتب، والأسلوب المعتمد منه، كما يستشف من بياناته الأولى، يظهران أنه غالباً ما تجري العودة الى الأفكار القديمة، فيسعى الى التشكيك في مشروعية التداول بشؤون القضاء، أكثر مما يسعى الى توضيح ما يمكن أن يكون قد ورد فيه من مغالطات (2).أسباب نشأة المكتب الإعلامي: من موجب التحفظ الى مبدأ الشفافية أول إشارة الى إنشاء المكتب الإعلامي وردت خلال اجتماع قضائي إعلامي موسع في 19/7/2012 في مقر مجلس القضاء الأعلى، الذي كان يترأسه آنذاك القاضي سعيد ميرزا بالوكالة، وذلك على خلفية ما أثاره الإعلام من تدخلات في قضية مقتل الشيخين الحاصلة في 2012/05/20.

وقد برر وزير العدل السابق شكيب قرطباوي قرار مجلس القضاء الأعلى بإنشاء مكتب إعلامي للمجلس، بالرغبة بتوحيد الإعلام (السلطة الرابعة) والقضاء في الموضوعية والعدالة وبناء علاقة سليمة مع المواطنين، «فلا يكون الإعلام بعيداً عن القضاء، ولا القضاء بعيداً عن الناس»[2].
وتالياً، فإن الداعي الأبرز لإنشاء المكتب تمثل في إرادة إحاطة وسائل الإعلام بجهاز متخصص يعمد الى توجيه أعماله إذا رغبت تلك الوسائل بذلك وتصحيحها عند الحاجة. فإذا لم يكن من الممكن إقصاء الإعلام عن القضاء، فلا بد إذاً من إعطاء القضاء حق الرد والتوضيح، سعياً الى تحسين أدائه، وبكلام آخر الى إحاطة الحرية التي يمثلها الإعلام بالموضوعية والدقة في المعلومات والعلم القانوني الذي يُفترض بالمكتب أن يؤمنه له. وفي هذا الاتجاه، فسّر رئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد الأسباب التي تدفع المجلس الى إنشاء المكتب بمبدأ الشفافية: «فحكم القانون يفترض الشفافية وإتاحة الفرصة أمام المواطن للحصول على الأخبار المتعلقة بالعمل القضائي والوقوف على مدى صحة الأخبار التي تصل إلى الوسائل الإعلامية من مصادر أخرى. وفي اللقاء مع مندوبي الإعلام المزمع عقده، سيجري البحث في ضوابط تغطية الإعلام للأخبار القضائية، وكيف يمكن القاضي أن يساعد الإعلام على نقل الخبر بدقة وموضوعية والاتفاق على إعلان حسن نيات بين الإعلام والقضاء، وذلك لمصلحة المجتمع وحكم القانون وتعزيز القيم الديموقراطية مع احترام حقوق المواطنين». ويضيف: «إن نقل الخبر القضائي حق مشروع، لكن يقتضي أيضاً المحافظة على خصوصية المواطن وصدقية الخبر وإبراز جوانبه القانونية والموضوعية ونقله بصورة موضوعية إلى الرأي العام. ويأتي إنشاء هذا المكتب بغية مساعدة الإعلام على نقل الصورة الصحيحة عن العمل القضائي والوقوف على مدى صحة الأخبار التي تصل إلى الوسائل الإعلامية من مصادر غير رسمية». (مقابلة مع النهار في 13-9-2013). وهذا أيضاً ما أكدته كلوديت سركيس في مقال نُشر في جريدة النهار في 28 آب 2013 من دون تحديد مصدرها، بحيث جاء فيه أن الرد على مغالطات إعلامية منشورة عن القضاء هو الداعي الأبرز لإحداث المكتب، «إذ كان التعرّض للقضاء من خلال تصريحات في الإعلام أو كتابات مغلوطة عنه واتهامات يقابل بصمت من هذه المؤسسة في معظم الأحيان، إذ نادراً ما كان يُسمع صوت القضاء في هذا الإطار، وكثيراً ما ترك صمته نوعاً من التشكيك في أدائه عموماً انطلاقاً من مبدأ أن القاضي يعمل في صمت ويشمل كل تهجم أو اتهام قد يطاوله، إلا أن أسلوب التمادي في الصمت، وخصوصاً في الظروف الدقيقة التي مرّت وتمرّ بها البلاد جعل هذه المؤسسة تستشعر ربما خطراً على كيانها ومعها نقابة المحامين، حيث ارتباط عضوي بينهما. فإحداث المكتب الإعلامي هدفه إطلاع الرأي العام على نشاط القضاء من خلال مجلسه، وكذلك الرد على ما يعده مغلوطاً». ويلحظ أن هذا المقال نُشر في الفترة نفسها التي شهدت بدء عمل المكتب، وأول ردوده على الإعلام.

المكتب من خلال عمله: تغليب حجج السلطة على حجج المنطق
في هذا المجال، عمدنا الى تقويم عمل المكتب من خلال التدقيق في البيانات الصادرة عنه، ولا سيما البيانات الصادرة رداً على وسائل الإعلام. وقد سعينا في هذا المحل الى تحليل البيانات بهدف التعرف على كيفية فهم المكتب لدوره في التعامل مع الوسائل الإعلامية، والوسائل والأساليب المعتمدة منه في هذا الصدد، وتحديداً فيما إذا تمثلت هذه الأساليب بإقامة حوار موضوعي لتوضيح المسائل المتداولة وإحاطتها بجوانب قانونية أو قضائية غير معلومة أو على العكس من ذلك بمبادلة التشكيك بالتشكيك والاتهام بالاتهام، على نحو يجعل المكتب منبرا له مواقف مسبقة ضمن منابر أكثر مما هو مكتب متخصص. وللأسف، فإن معظم البيانات أخذت المنحى الثاني، فأتت مبنية على اعتبارات السلطة. وقد تجلى ذلك من خلال توجهات أربعة:
التوجه الأول، ومفاده التعميم عند تناول الوسائل الإعلامية من خلال الاشارة الى «بعض وسائل الاعلام»، كأنه يؤثر صياغة ردوده في بيانات عامة من دون التوجه الى وسائل إعلامية بعينها، واضعاً وسائل الإعلام في سلة واحدة. وهذا ما نقرأه في البيانات الصادرة تباعاً في 27 و29 و31 كانون الثاني 2014، التي اتصلت بالتشكيلات القضائية وبقضية رلى يعقوب. وبالطبع، من شأن هذا التوجه أن يمكّن المكتب من إبداء ملاحظاته بدرجة عالية من التعميم والإيحاءات من دون أن يتكبد بالضرورة عناء الرد على ما تثيره هذه الوسائل أو تفسير ما هو الخطأ المرتكب من الإعلام تحديداً.
التوجه الثاني، وقوامه اكثار لجوئه الى حجج السلطة على قاعدة: عليكم الأخذ بكلامي لأنه كلامي، وتغليبها على حجج المنطق، وذلك بخلاف ما يُفترض بمكتب متخصص أن يكون عليه. وهكذا، وفيما افترض المكتب في معظم الحالات سوء النية لدى الوسائل الإعلامية الناقدة لعمله، معتبراً أي نقد بمثابة محاولة لتثبيط عزائمه الإصلاحية وهدّها والتشويش عليه وعلى القضاة، فإنه في الآن نفسه نصّب مجلس القضاء الأعلى (وخصوصاً رئيسه) في موقع الذين يقومون بواجباتهم على أكمل وجه.
وهذا ما نقرأه في بيانه المؤرخ في 11-9-2013: فبعدما أكد عدم صحة الأخبار المتصلة بوجود خلافات بين بعض أعضاء مجلس القضاء الأعلى، كادت تتطور الى عراك، أو بأن رسوب جميع المحامين المتبارين لدخول القضاء حصل بسبب خلافات بين الوزير ومجلس القضاء الأعلى، رأى أن إيراد هذه الأخبار غير الصحيحة على عواهنها، قبل التأكد من مدى صحة مضمونها، يثير شبهة قوية بأن ثمة من يحاول من ورائها التشويش على صورة السلطة القضائية، وعلى المسار القويم الذي تحاول هذه السلطة جاهدة الثبات عليه في الظروف الصعبة التي تواجهها ويواجهها الوطن.
ولعل أكثر البيانات حدة في هذا الخصوص هي البيانات التي ردت على انتقادات وجهها الإعلام إلى رئيس مجلس القضاء كما هي حال البيان الصادر في 29-1-2014 المتصل بإقرار مجلس القضاء الأعلى للمناقلات القضائية. فبعدما أوضح البيان بعض ما أثير في الإعلام بعبارات فيها كثير من الالتباس، أكد المكتب أن المجلس قام بواجبه على أحسن وجه، وبأن «التخرصات، ومحاولات ذر الرماد في العيون، لن تجدي نفعاً، ولن تحيد المجلس قيد أنملة عن إجراء كل ما هو مناسب من أجل النهوض بالعمل القضائي الى المصاف الذي يستأهله هذا الوطن، ويليق بقضاة لبنان الذين يتباهى بهم العالم». ونسطر طبعا هنا هذه العبارة التي رغبنا تضمينها في عنوان المقال نظرا لدلالتها الفائقة.
وفي الاتجاه نفسه، ولو بحمأة أقل، ذهبت البيانات الآيلة الى رفض التشكيك الإعلامي في الأعمال القضائية. ولعل خير مؤشر على ذلك هما البيانان الصادران عن مجلس القضاء الأعلى في غضون أسبوع واحد (في 27 و31 كانون الثاني) للدفاع عن القضاة المعنيين في هذه القضية في مواجهة الإعلام. هذا فضلاً عن تضمين هذه البيانات عبارات تنم عن درجة عالية من السلطوية من قبيل «لا يجوز» [3] و«عدم السماح»[4].
التوجه الثالث، ومفاده استغلال المنصب وادعاء التخصص لتمرير مواقف قانونية وقضائية معينة، بعضها يمثل مخالفة لمبادئ قانونية راسخة بل أحياناً نسفاً لهذه المبادئ. ففي رده على جريدة الأخبار بعد نشرها مقالاً اعتراضاً على منع أشخاص عديدين ومنهم أحد صحافييها من حضور جلسة محاكمة، بدا المكتب كأنه يضحّي بمبدأ علانية المحاكمة من خلال القول بأن «للعلانية ضوابط» من دون توضيح ماهية هذه الضوابط، وما إذا كانت تنطبق على الحالة المذكورة (رد نشر في جريدة الأخبار في 13-11-2013). وهذا أيضاً ما نقرأه في رده على انتقاد زيارات رئيسه للسياسيين في معرض الإعداد لمشروع التشكيلات القضائية: حيث مثل البيان قراءة مغلوطة لمبدأي فصل السلطات واستقلالية القضاء، وذلك في أمور ثلاثة: (1) حلل المكتب لرئيس مجلس القضاء الأعلى زيارة المراجع السياسية لمناقشتها بشأن مشروع التشكيلات القضائية، غير مكترث بما قد يولده ذلك من شكوك في ظل سواد تدخل هؤلاء في التشكيلات و(2) أقر المكتب لكل الذين يوقعون مرسوم التشكيلات من رؤساء ووزراء الحق برفض توقيعه إذا رغبوا بذلك، وذلك بخلاف القراءات التي تجعل هذا التوقيع إجراءً شكلياً ليس لأي من هؤلاء رفضه، و(3) أخيراً، الإشارة الى وجود أعراف في تباحث مجلس القضاء الأعلى مع المسؤولين السياسيين من دون تحديد ماهيتها، ما يوسّع هامش تدخل هؤلاء في القضاء، مع إظهار هذا التدخل على أنه عمل اعتيادي. وهكذا، لم يؤكد ولم ينف المجلس ما أثير عن أحاديث مع سياسيين، بل اكتفى بتبرير كل شيء لنفسه على قاعدة أن لا شيء يدعو إلى التشكيك لوجوب افتراض أن رئيس مجلس القضاء الأعلى هو أعلى من الشبهات لأنه كذلك.
توجيه الرأي العام للتسليم بحقيقة معينة والأمر نفسه على صعيد المعطيات الواقعية، حيث هنا أيضاً بدت البيانات قابلة للنقد كأنها ترمي الى توجيه الرأي العام للتسليم بحقيقة معينة حتى لو لم تكن واقعية. وأبرز الشواهد على ذلك، توجيه الرأي العام في اتجاه معين في قضية رلى يعقوب، من خلال دعوة وسائل الإعلام الى قراءة القرار الظني ونشره، فإذا لم تفعل، قام المكتب بنشر البيان بنفسه. وبالطبع، يطرح هذا التوجيه المكثف الى الاطلاع على ما تضمنه القرار الظني أسئلة وجيهة: فإما أن المجلس لم يطّلع على كامل ملف القضية، ويكون موقفه في هذا الصدد بمثابة موقف مسبق مجرد من أي معطيات موضوعية أساسية، وإما أنه اطلع على هذا الملف، فاختار عن سابق تصور وتصميم أن يوجه الرأي العام الى قراءة القرار الظني، وأن يحصر أفق التفكير في أدلة البراءة التي أوردها القاضي فيه مهما كانت ضعيفة من دون سائر الأدلة التي استبعدها منه مهما بلغت قوتها [5]. وفي كلتا الحالتين، يكون من المشروع التساؤل عن موضوعية المكتب ومدى التزامه الدقة والمهنية، اللتين طالب وسائل الإعلام التزامهما. ولعل أخطر ما في حماسته في هذا المجال، هو أن من شأنها أن تضع الهيئة الاتهامية التي تتولى النظر في الاستئناف المقدم ضد هذا القرار، في موقف حرج يظهرها مظهراً مناوئاً للمجلس إذا ارتأت فسخه والتوسع في التحقيقات وفق ما يطالب به الإعلام. ولا نبالغ إذا قلنا إن بياني المكتب يلامسان من هذه الزاوية حدود الضغط و«التشويش» على الأعمال القضائية، وبكلمة أخرى التدخل فيها، وكلها أفعال كان المجلس قد استسهل اتهام الإعلام بها.
ومن هذا المنطلق، بدا عمل المكتب على شيء من الخطورة، بحيث ذهب في حالات عدة ليس الى تصويب قراءة الإعلام للقانون أو للواقع، بل الى فرض قراءات أخرى هي مخالفة للقانون والواقع، وبعضها يمثل مساً بمبادئ أساسية، أو يرشح عن تشويش وتدخل في أعمال القضاء.
التوجه الرابع، وهو الأخطر، ومفاده إنكار حق الإعلام في التعاطي مع القضايا التي لا تزال معروضة أمام القضاء، مستعيداً بذلك الخطاب السائد قبلاً. وهذا ما نقرأه بوضوح في البيان الصادر عنه في 31-1-2014 في قضية رلى يعقوب. فقد بدا المجلس كأنه فقد صبره إزاء استمرار الإعلام في انتقاد القرار الظني الصادر في القضية تلك، فاعتمد لهجة أكثر انفعالاً وحدة، رافضاً أن يجري تناول القرار «خارج أطر المراجعة المكرّسة قانوناً، في وقت لا يزال فيه القرار خاضعاً لطرق المراجعة»، أو أن يجري استعمال الإعلام «وسيلة ضغط للتشويش على حسن سير العمل القضائي». ومن هنا، بدا المكتب كأنه تخلى عن وظيفته في توضيح الأخبار الإعلامية بعد التسليم بوجوب تطبيق الشفافية، ليعود الى المطالبة بوجوب إخراس الإعلام. كأنه بذلك يعلن ضمناً أنه لا نفع أن يوضح هذه العبارة غير الموفقة أو تلك (وكلها صغائر)، ما دام ما يرفضه ليس خطأً معيناً، بل مبدأ التداول الإعلامي في قضية قضائية بحد ذاته (وهو تشويش يدخل ضمن الكبائر).
واللافت أن التدقيق في تفاصيل القضية تلك يمثل دليلاً حاسماً على أهمية دور الإعلام في مراقبة العمل القضائي. ولإدراك ذلك، يكفي التذكير بأن الاستعانة بنقابتي الأطباء جرى بحسب ما جاء في القرار الظني «تبعاً لما أثارته وسائل الإعلام بخصوص التشكيك في صدقية وصحة التقارير الطبية المنظمة من قبل الأطباء الشرعيين الأربعة»، وأن تقريري النقابتين أكدا من خلال ما توصلا اليه من نتائج، حجم الأخطاء المرتكبة من قبل الأطباء الشرعيين الأربعة، وأيضاً حجم الخطأ في إرجاء طلب ذوي المتوفاة تشريح جثتها (وهي الأخطاء التي لمّح اليها الإعلام)، وهي أخطاء أدت ربما الى تضييع إمكان إثبات أسباب الوفاة علمياً[6].
وما يزيد عمل المكتب قابلية للانتقاد، هو مقارنة ردوده على وسائل الإعلام بردوده على أعمال صادرة عن قوى سياسية أو عسكرية معينة. ففي 03-10-2013، وفي تعليقه على اعتداء عناصر من الجيش اللبناني على القاضي بلال بدر في 30-9-2013 على حاجز للجيش اللبناني في منطقة المشرفية - الضاحية الجنوبية، بدا المكتب كأنه يختار كلماته بديبلوماسية فائقة تجنباً لإثارة أي حساسية لدى قيادة الجيش. وبناءً عليه، وبعدما عبّر مجلس القضاء الأعلى عن «أشد تحفظه» من جراء ما حصل (رافضاً استعمال كلمة الاستنكار أو التضامن مع القاضي المعتدى عليه)، سارع ليس فقط الى الدعوة إلى «إبقاء الحادث ضمن إطاره وحدوده» والى التأكيد أن «لا حاجة إلى أي إضافة». «فالحكم وحده يظهر حقيقة ما جرى ويضع الأمور في نصابها القويم»، بل أكثر من ذلك يذهب الى تبرئة المؤسسة العسكرية وتنزيهها عن أي مسؤولية في هذا الصدد ما دام الفعل المشكو منه «لا يمثل نهجاً للمؤسسة التي ينتمي إليها مَن صدرت عنه تلك الممارسات».
الأمر نفسه نلمحه في ما يخص البيان المتصل بالتشكيلات. ففي موازاة حمأة المكتب إزاء الإعلام، الذي يلمّح الى وجود خطأ من رئيس المجلس، خلا بيانه من أي عبارة اتهامية أو نقدية إزاء أي من السلطات أو القوى السياسية، بما فيها تلك التي انتهت الى تعطيل مشروع التشكيلات، الذي وضعه المجلس، بل على العكس من ذلك، ذهب الى تفسير النصوص على نحو يمنحهم حق القيام بذلك. فكأنما المهم ليس استقلالية القضاء الفعلية ضد التدخلات (التي بالطبع يهددها أصحاب النفوذ)، إنما فقط المحافظة على صورة القضاء المستقل، ومن هنا ضرورة معاداة الإعلام الذي ينتقد، وإن كان يقول الحقائق.
أخيراً، تجدر الإشارة الى عدد من البيانات الإخبارية الصادرة عن المكتب، التي ركزت خصوصاً على النشاطات التي يقوم بها رئيس مجلس القضاء الأعلى. فقد صدر بيان بتاريخ 27-09-2013 يتكلم عن تمثيل جان فهد للوفد اللبناني الذي شارك في مؤتمر رؤساء المحاكم العليا في الدول العربية. تضمن البيان إشارة إلى سلسلة اجتماعات قام بها القاضي فهد، ومن بينها اجتماعه برئيس المجلس الأعلى للقضاء في دولة قطر، ولقاؤه النائب العام لدى محكمة التمييز في دولة قطر. وصدر بيان آخر في 11-11-2013 ينقل ما أعلنه القاضي فهد خلال زيارته قصر العدل في بعبدا بالتفصيل. ويجعل هذا النوع من البيانات رئيس مجلس القضاء الأعلى محوراً أساسياً لها، ما يمثل مؤشراً مقلقاً على تحول بيانات المجلس الى بيانات «استقبل» و«ودع».
نشر في العدد الرابع عشر
من مجلة المفكرة القانونية
www.legal-agenda.com

الهوامش:

[1] نزار صاغية، محاسبة القضاة: خطوات من دون غد، المفكرة القانونية، العدد 9، تموز 2013.
[2] اللواء، 20-7-2012.
[3] هذا فضلاً عن تضمين البيانات المذكورة عبارات تنم عن درجة عالية من السلطوية من قبيل «لا يجوز» و«عدم السماح»
[4] نزار صاغية، رلى يعقوب، قضيتان في قضية واحدة: جبه العنف الاسري وأحقية المساءلة
[5] نزار صاغية، رلى يعقوب، قضيتان في قضية واحدة: جبه العنف الأسري وأحقية المساءلة الاعلامية للقضاء، نشر على الموقع الإلكتروني للمفكرة القانونية في 10/2/2014.
[6] نزار صاغية، رلى يعقوب، مرجع مذكور أعلاه.