ستؤدي جائحة كورونا، بحسب تقارير البنك الدولي، إلى ركود وإنحسار الوظائف وتفشي البطالة في كثير من بلدان العالم، ومن بينها، بطبيعة الحال، لبنان الذي سيتأثر في قطاعات عدّة ولا سيما التعليم. فالمواطنون استنزفوا إحتياطاتهم المالية في الأشهر الستة الأخيرة بعد تعطل الأعمال بسبب التدابير المصرفية والصرف من العمل وحسم الرواتب. وانعكست تداعيات الأزمة المالية تراجعًا في دخل العائلات لتتقدم أولوية البقاء والصحة على أولوية التعليم. فكيف سينعكس إنقلاب الأولويات نتيجة الأزمة على التعليم الخاص؟ وما هي الأرقام الدقيقة والمتوقعة والمؤثرة في هذا القطاع؟لا تشي الجداول الإحصائية الأولية للعام 2019 - 2020، الصادرة أخيراً عن المركز التربوي للبحوث والإنماء، بإمكان مواجهة المعوقات الناتجة عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وجائحة كورونا، في ظل غياب خطط مستقبلية وبرامج إنقاذية للعام الدراسي المقبل. لكن المؤشرات المستخلصة من الأرقام ومقارنتها مع السنوات السابقة، تعزز مخاوف المعنيين من أهل وتلامذة، وتضع وزارة التربية أمام تحدي أزمة جديدة لإيجاد مقاعد للتلامذة اللبنانيين «النازحين» من المدرسة الخاصة إلى المدرسة الرسمية.

انقر على الصورة لتكبيرها

الجدول المرفق يؤكد أن هذا «النزوح» بات حقيقة واقعة. وقد اخترنا العام الدراسي 2016 -2017 كنقطة تحوّل كونها السنة التي سبقت تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، علماً أن التعليم الرسمي كان يسجّل قبل هذا العام ارتفاعاً بنحو ألفيْ طالب سنوياً، والمدارس الخاصة غير المجانية بمعدل 3.8 ألف، والمدارس الخاصة شبه المجانية بمعدل 1300، أي أنّ معدل زيادة التلامذة الجدد اللبنانيين بلغ 7.2 آلاف سنوياً. الأرقام الواردة في الجدول تشير الى اختلاف واضح. إذ تزايد عدد التلامذة في المدارس الرسمية (من العام 2016 - 2017 الى العام 2019 - 2020) بمعدل 8051 تلميذاً سنوياً، فيما تراجع العدد في المدارس الخاصة شبه المجانية 1379 تلميذاً، وفي المدارس الخاصة غير المجانية 2228 تلميذاً، مع تزايد مجموع التلامذة اللبنانيين 4426 تلميذاً فقط.
وقد زاد عدد تلامذة المدرسة الرسمية 32 ألفاً، فيما المفترض - بحسب مسار السنوات السابقة لتفاقم الأزمة - أن يتزايد 8 آلاف فقط. أما التزايد في التعليم الخاص غير المجاني وشبه المجاني فأصبح سلبياً بتراجع 15 ألفًا، فيما كان يفترض أن يزيد 20 ألفًا. أي أن التعليم الخاص وشبه المجاني خسر 35 ألف تلميذاً نتيجة الأزمة الاقتصادية.
ويلفت الخبير في مكافحة الفقر، أديب نعمه، إلى وجود رابط قوي بين نسب الفقراء في المحافظات وأعداد الطلاب في المدارس الرسمية، وها هي الأرقام (نحو 24 ألف تلميذ جديد، أي ما يوازي 6 - 8 آلاف عائلة شابة) تنزح إلى المدارس الرسمية لتتحول إلى مؤشر واضح لازدياد أعداد الفقراء.
وما شهدناه في المدارس الخاصة من عدم سداد الأقساط، قبل أزمة «كورونا»، دليل آخر على تعثر 30 إلى 40% من الأهل في توفير المداخيل المستقرّة أو الثبات الوظيفي في ظل الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بعد انتشار الوباء.
وبما أن بعض الأهالي يختارون مدارس خاصة أقل كلفة، وبعضهم يلجأ إلى مدارس شبه مجانية، وآخرون ينزحون طوعاً إلى التعليم الرسمي مباشرة، ناهيك عمّن سيطردون من المدرسة في نهاية العام الدراسي لعدم السداد، يقدّر بعض مديري المدارس الخاصة خسارتهم الإجمالية بنحو 20% من التلامذة العام المقبل، نتيجة التعثّر وعدم سداد الأهالي للأقساط المتراكمة، ما سيُرتّب على المدارس زيادة الأقساط لتعويض نقص التلامذة، الأمر الذي سينعكس بدوره زيادةً على القسط مرة أخرى.
يتوقع أن يزداد النزوح إلى التعليم الرسمي بوتيرة عالية قد تصل إلى 100 ألف تلميذ في العام المقبل


ومع استمرار الأزمة الاقتصادية المصحوبة بجائحة «كورونا»، يتوقع أن يزداد النزوح إلى التعليم الرسمي بوتيرة عالية قد تصل إلى 100 ألف تلميذ في العام المقبل، نتيجة حالات الصرف من العمل التي تصل إلى 100 ألف حالة، بحسب توقعات الخبراء.
لذلك، تكمن الأولوية في توفير مقاعد دراسية وشروط تعليم مناسبة للتلامذة. فالأزمة ستطول، وستنعكس سلباً على التعليم إذا لم تُعدّ الوزارة خطّة متكاملة لإستيعاب النزوح، خصوصاً أن العام المقبل سيكون صعباً من الناحية الأكاديمية بعد التعطيل القسري نتيجة التعبئة العامة. وستنتج عن هذا النزوح أزمة إجتماعية جديدة ظهرت ملامحها في العامين الماضيين مع طرد المدارس الخاصة مئات المعلمين/ات، فيما ارتضى آخرون العمل بأجر أقل. لذلك، على الأغلب ستتضاعف أعداد المعلمين/ات المصروفين من الخاص إلى أرقام غير مسبوقة، وقد تشهد بعض المدارس الصغيرة إغلاق أبوابها وصرف كل العاملين فيها، كما المدارس شبه المجانية إذا لم تنجدها الدولة بما يتوجب عليها من مدفوعات، بعدما بات من شبه المستحيل على المؤسسات الراعية لهذه المدارس توفير متطلبات موظفيها كما حدث ويحدث مع جمعية المقاصد.
الأزمة إلى اشتداد، ولا حلول منظورة في الأفق بعد، علماً بأنّ التعليم قطاع حيوي وأساسي، لكونه يؤمن الدخل لنحو 100 ألف عائلة نصفها في القطاع الخاص. لذلك، لا بد للوزارة من التفكير في إيجاد حلول تقلل من حدّة هذا الواقع، وتبدأ بوضع خطة لا يدفع ثمنها المواطنون وأولادهم.

*منسّق الشؤون التربوية في اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور، باحث في التربية والفنون