في الرحلة الأخيرة، كان المهاجرون لبنانيين (في غالبيّتهم من منطقة القبة في طرابلس) وسوريين، وكانت الوجهة قبرص، بعد الاتفاق مع ن. المحمد على تأمين العبّارة التي ستقلهم. مساء الاثنين الماضي، اليوم المقرر للانطلاق، حزم هؤلاء أمتعتهم وتوجهوا نحو شاطئ المنية. إلا أنهم لم ينطلقوا في الموعد المحدد، إذ أبقاهم الرجل في أحد المنازل ليومين، بحجة عدم جهوز المركب. في ما بعد، عرفوا أن فترة الانتظار تلك كانت «لتدبير ركّاب آخرين»، على ما يقول أحد العائدين لـ«الأخبار». بعد يومين، انطلقت العبّارة بـ 50 شخصاً، بينهم أطفال ونساء في مركب لا يتّسع لأكثر من 25 شخصاً فقط. وقد دفع كل منهم لسماسرة الموت سبعة ملايين ليرة، أي ما مجموعه 350 مليون ليرة.
قبض صاحب المركب 350 مليون ليرة من الركاب وتركهم في عرض البحر
ولأن الحمولة زادت، منع المحمد «المسافرين» من حمل أمتعتهم، بما فيها الطعام وحليب الأطفال، طالباً منهم وضعها «في مركب ثانٍ سيسير إلى جانبهم». بعد انطلاق المركب، اختفى المحمد والمركب المرافق. ركب المهاجرون البحر وحدهم، بلا مرشد، وانقطع الاتصال معهم. ورغم محاولات أهاليهم التواصل مع الجانب القبرصي، عبر بعض الوسطاء، إلا أنهم لم يوفّقوا بالوصول إليهم. إذ جاء الجواب من قبرص بأن «الأسماء التي قدّمت غبر موجودة لديهم».
ثمانية أيامٍ في عرض البحر عاشها المهاجرون من دون طعام وشراب، وكانت حصيلتها موت 14 منهم، بينهم ثلاثة شبان فُقد أثرهم بعدما قرروا العودة سباحة، إضافة الى طفلين ماتا جوعاً ولم يقبل ذووهما برميهما في البحر، فعمدوا إلى ربط جثتيهما بالمركب! أما البقية ممن حالفهم الحظ، فقد عاشوا لحظاتٍ أسوأ من تلك التي خبروها في ذلّ البلاد، فقد «عانينا من الجوع الشديد، والعطش الشديد تحت شمس لاهبة، واضطررنا الى شرب مياه البحر».
مات من مات، وعاد آخرون إلى البلاد التي هربوا منها، وإن كانوا سيجربون تلك الرحلة «مرة أخرى»، على ما يقولون. فالموت في البحر، بالنسبة إليهم، أهون مما يعيشونه. مع ذلك، لا أحد يأبه لما يعانيه هؤلاء من فقراء قرى الأطراف، إلا من يشبهونهم. فرغم الأموات الذين يحصدهم البحر، وآخرهم الضحايا الـ 14، لم يتحرك أحد من الدولة. انتهت القصة بقطع عدد من أهالي القبة الطرابلسية ومنطقة البيرة العكارية عدداً من الطرقات احتجاجاً، ثم أعادت القوى الأمنية فتحها بالقوة، وكأن شيئاً لم يكن... في انتظار رحلة أخرى.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا