يغيب موسم جنارك نابيه هذه السنة عن الأسواق. لجأت متاجر ومحالّ الخُضَر الكبرى إلى بيع الجنارك البلدي المزروع في البقاع، وذلك حسب الكمّية المتوفرة؛ كلّما قلّت الكمّية ارتفع سعرها، والعكس صحيح. بينما غاب موسم الجنارك كلياً في بعض المتاجر والمحالّ الصغيرة لارتفاع سعره وقلّة طلب الناس عليه نظراً إلى الظروف الاقتصادية الصعبة.
انطلق موسم الجنارك هذه السنة في بلدة نابيه، في قضاء المتن الشمالي، ضعيفاً جداً، للمرة الأولى. بمواجهة تغيّر المناخ الطبيعي في السنوات الماضية، وارتفاع الأسعار الجنوني، لا حول ولا قوة للمزارع اللبناني على خوض هذه المعركة وحيداً بلا مساعدة الدولة.

المعضلات التي تواجه هذه الزراعة كثيرة، أولاها ناتجة من العوامل الطبيعية وتقلبات الطقس، وقد أتت ثلوج آذار لتفني المحصول الزراعي للموسم وتقضي على تعب السنة بكاملها. البذور بحاجة إلى حرارة دافئة كي تزهر وتنمو، لذا يحاول المزارعون تغطيتها بأكياس أو خيم النايلون أو الشبك لتكون محميّة من حبات البرَد والعواصف. لكن هذه الطريقة مكلفة كثيراً على المزارعين وخصوصاً مع ارتفاع الأسعار.
المعضلة الثانية تتمثّل في ارتفاع أسعار الأسمدة الزراعية والكيماوي ومواد الرش المسعّرة على سعر السوق، ما يزيد الأعباء على المزارع.

يعاني قسم كبير من المزارعين في نابيه من صعوبات في زراعة الجنارك، وصلت إلى شح المحصول واستبعادهم عن إنتاج السوق. يصف ناصيف عطا الله المشهد المأسوي لموسم الجنارك في أرضه: «ليس هناك إلا بعض الحبات من الجنارك أجمعها في علبة وأوزعها على عائلتي والأصحاب فقط. لا أصدّق الوضع، بات الجنارك اليوم كالذهب الأخضر، فالمزارع الذي تتوفّر لديه بعض حبات الجنارك كأنه يملك كنزاً».

سينتظر المزارع الموسم المقبل لتحصيل مردوده، فضلاً عن حاجته إلى المال لشراء المواد الكيماوية «إذ إن العمل في زراعة الجنارك يستمر على مدار السنة. ففي فصل الصيف يجب على المزارع أن يروي الأشجار دائماً، ليأتي شهر تشرين بعدها ويضع الأسمدة الطبيعية ويشحّل الأشجار، وفي شباط تبدأ عملية رش الأدوية الكيماوية لتزهر البذور من جديد».
لكن يبقى هذا كله ناقصاً، فالمزارع بحاجة إلى غطاء ودعم لحماية الجنارك، يقول ناصيف: «قد حاولت شخصياً القيام بهذه التجربة، لكنها مكلفة جداً، ولو أن وزارة الزراعة تدعم المزارعين وتقدّم مساعدات لكان من السهل مواجهة العوائق الطبيعية والاستمرار في الزراعة».

نابيه، التي كانت تشتهر عبر التاريخ بزراعة الجنارك وغيرها من الثروات الزراعية، تضمّ اليوم 4 مزارعي أراضي جنارك فقط. أمّا البقية، فإمّا انتقلوا إلى زراعات أخرى كالليمون والأفوكا، أو أهملوا الأراضي وتركوها تذبل ولم يعودوا يهتمّون بالزراعة أبداً. بالنسبة إلى ناصيف «الزراعة عبارة عن هواية وتسلية، ولو كانت مهنتي الوحيدة لما كنت لأستمرّ إلى اليوم فيها، لأنها مكلفة جداً أكثر مما هي مربحة».

تمكّن قسم آخر من المزارعين من الحصول على مردود، ولو كانت الكمية خجولة، وذلك باعتماد طريقة شراء أكياس لحماية الأشجار. بحسب جهاد عطا الله، فإن الموسم كان سيئاً للغاية مقارنة بالسنوات الماضية، حين وصل الإنتاح، رغم البرد والشتاء القارس إلى ثلث قيمة الإنتاج المتوقّع. أمّا هذه السنة، فإن الأشجار لا تثمر %3 من القيمة.
«لديّ حقول كثيرة وتكلّفت عليها كثيراً لتغطيتها وحمايتها من البرد بأكياس شبك، بحيث إن الربطة تغطّي 10 إلى 15 شجرة حسب حجم الشجرة». تمكّن جهاد من دفع هذه التكاليف الباهظة نظراً إلى أن لديه مورد مال آخر من عمله في الزراعة، إذ يملك سوبرماركت في البلدة. وذلك يعود إلى أن الزراعة اليوم باتت غير كافية لتأمين حاجاته في غياب أي دعم ومساعدة من قبل الدولة لتشجيع المزارع على الاستمرار في العمل. «رغم ذلك، لم أحصّل 100 كيلو من أصل 2 طن جنارك. فمن أصل أكثر من 100 شجرة حصلت على قرابة الـ 12 كيلو جنارك، فلا يوجد إلا 5 أو 6 حبات جنارك في كل شجرة».

تكمن ميزة شجرة الجنارك عن غيرها من الفاكهة، في أن «بإمكان المزارع أن يستفيد من ثمارها لفترة شهرين بحيث تبقى جودتها جيّدة وسعرها نفسه طوال هذه الفترة. بينما بقية الفاكهة كالخوخ والأكيدنيا تبدأ في أوّل الموسم بسعر 20 ألفاً وتنتهي في آخره بألف ليرة، إذ تتغيّر نوعيتها خلال أسبوعين فقط».

يوضح جهاد أن ارتفاع سعر كيلو الجنارك هذه السنة هو بسبب قلة المحصول، فضلاً عن ارتفاع سعر الدولار. الجنارك «البلدي» هذا العام يتراوح سعره بين الـ 20 و25 ألفاً، وذلك حسب حجم الحبة. لتعويض خسارته هذه السنة، يبيع جهاد إنتاجه من الجنارك في محله، تفادياً للوقوع في أيدي التجار الذين يحاولون أخذ نسب على كل «بيعة»، هذا فضلاً عن السعر الذي يفرضونه على المزارع لشراء البضائع منه.