منح رئيس الاتحاد العمالي العام، غسان غصن، وسام العمل المذهب في عيد العمال الماضي، كان واحدا من الاساليب الوقحة للاحتفاء بخيانة قيادة الاتحاد لمصالح من تدّعي تمثيلهم، ووقوفها على نحو سافر مع هيئات اصحاب العمل في معركة تصحيح الاجور وتحصينها في القطاع الخاص. سوف يتكرر المشهد هذا العام، لكن مع بعض التعديلات الطفيفة. ففي حفل الاستقبال اليوم في «بيت العامل» سيصطف ممثلو الأحزاب على يمين غصن ويساره. سيتلون قصائد الغزل بصحوة قيادة الاتحاد الفجائية، وقرارها بالنزول الى الشارع في مقابل هيئة التنسيق النقابية. سيظنون انهم بذلك يعومون الاتحاد ويسحبون البساط من تحت اقدام الهيئة.
فجأة، ومن دون مقدمات، وخلافاً لأي تقليد نقابي سابق لناحية تحديد المطالب وتعبئة القواعد، شربت قيادة الاتحاد حليب السباع، فاجتمعت وقررت ان تدعو للاعتصام في ساحة رياض الصلح في 30 نيسان (امس)، أي في اليوم الذي دعي فيه المجلس النيابي للاجتماع لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وفجأة أيضاً تجتمع المكاتب العمالية وتصدر بياناً نارياً تدين فيه عدم تلبية المطالب العمالية وتهاجم حيتان المال، وتدعم ليس فقط تحرك الاتحاد العمالي العام، بل هيئة التنسيق النقابية نفسها، التي يعلم الجميع موقف هذه الأحزاب منها ومن مطالبها على المستويات كافة.
كان آخر ظهور علني لقيادة الاتحاد العمالي العام، بصفتها تمثل العمّال، في شهر شباط 2012، حين أعلنت بكل «اعتزاز» توقيع اتفاق الاذعان «الرضائي»، الذي فرضته هيئات اصحاب العمل، برعاية مشتركة من رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة (حينها) نجيب ميقاتي. ومنذ ذلك التاريخ غاب الاتحاد العمالي العام عن السمع والبصر، ما عدا بيانات متباعدة وموسمية تقول دائماً ان الاتحاد لن يقف مكتوف الأيدي!! وهذا ما ترجمه فعليا، اذ بدل التخفّي من «الفضيحة» ذهبت قيادة الاتحاد الى تبني واحد من اخطر المشاريع، وهو مشروع افادة العمال المضمونين بعد سن التقاعد من الضمان الصحي، بعد تحميلهم مبالغ على غرار المبالغ التي فرضها قانون الضمان الاختياري السيئ الذكر، اي القانون الذي بررت فيه قيادة الاتحاد تقاعسها عن الوقوف في وجه عمليات الصرف التعسفي الواسعة، التي جرت في شركة طيران الشرق الاوسط يومها، بهدف «تنظيفها» تمهيدا لبيعها. خطورة المشروع الجديد تكمن في التخلي «الخبيث» عن مشروع التغطية الصحية الشاملة ومشروع التقاعد والحماية الاجتماعية، واستبدالهما بوهم ضمان صحّة بضعة آلاف من العمال، الذين سيتقاعدون لاحقا من عملهم في القطاع الخاص. ليس خافيا ان نظام الضمان الاجتماعي كما هو اليوم، ولا سيما نظام ربط التقديمات بالاشتراكات، لا يسمح اطلاقا بتأمين تغطية صحّية للمتقاعدين، الا اذا جرى تحميلهم الكلفة من اجورهم المتدنية قبل التقاعد.
لم تجر أي دراسة اكتوارية لهذا المشروع، ومع ذلك تبناه مجلس ادارة صندوق الضمان، الذي يختصر في تركيبته حصص الاحزاب التي تسيطر على قيادة الاتحاد العمالي وهيئات اصحاب العمل في آن واحد.
يقف الاتحاد العمالي العام اليوم في هذا الموقع تحديدا، موقع التواطؤ على مصالح العمّال.
قيادة الاتحاد لم تعرف يوماً الاستقلالية بالمعنى الكامل أو الحقيقي، الا انه، بعد عام 1997، اصبحت اداة بيد السلطة بكل ما لكلمة اداة من معنى، ما خلق معضلات أكبر من أي وقت سابق، ومنها تحوّلها الى صورة طبق الاصل عن تركيبة المحاصصة الطائفية في النظام اللبناني. فعلى الرغم من غياب أي نص يتعلق بالتوزيع الطائفي للهيئة القيادية (هيئة المكتب)، الا أنها باتت تتألف على قاعدة 6 و6 مكرر، بصرف النظر عن تمثيل القطاعات والأحجام، بل أكثر من ذلك، اذ أُخضع التمثيل الطائفي في قيادة الاتحاد لهيمنة الاحزاب نفسها التي تهيمن على الدولة، بمعزل عمّا اذا كانت تلك الأحزاب معنية بقضايا العمال أم لا!
يقف الاتحاد العمالي
في موقع التواطؤ
على مصالح العمّال

إن مثل هذا التنظيم «النقابي»، الذي استنسخته السلطة على صورتها، بات عاجزاً عن إحداث أي تغيير إيجابي في وضعيته، أسوة بوضعية السلطة غير القادرة، ولا الراغبة في التغيير أيضاً. أدّى ذلك إلى المزيد من شرذمة الحركة النقابية العمّالية واضعافها، في ظل صراع بين أطراف السلطة نفسها وانقساماتها، التي انسحبت فقدانا للثقة بالقيادة النقابية العمالية، وبالتالي ازدادت تبعية اشخاصها لمرجعيتهم الحزبية. وهذا ما جعل الاتحاد العمالي مكشوفا جدا ومتهما دائما بالتحرّك على ايقاع الاوامر الحزبية.
منذ عام 2000، عرفت البلاد خمسة عشر تحركاً في أربعة عشر عاماً، وتميزت دوافعها بغلبة الخلفية السياسية سواء باتخاذ القرار أو اختيار الزمان أو المكان، بل، وخصوصاً، بالجمهور المشارك على قلته، الذي طغى عليه الطابع الحزبي والسياسي الصرف.
التحركات الخمسة عشر لم يشارك فيها الا بضع مئات من الحزبيين، فهذه التحرّكات كانت من الادوات التي جرى استخدامها في ذروة الصراع في البلاد، الذي ادّى الى السابع من أيار في عام 2008. بعد ذلك، لم يعد الاتحاد الى الشارع، سوى امس، في ذروة الصراع السياسي ايضا.
كان من المفترض ان تجري انتخابات هيئة قيادة الاتحاد العمالي، لكن «حكمة» القيادة قضت بتمديد «الولاية» من دون أي مساءلة عمالية أو قانونية، وعلى الأرجح أن أي عامل في لبنان لا يعرف متى بدأت الولاية القانونية ومتى تنتهي، ومن هي قيادة الاتحاد سوى ذاك الذي يدخل بيوتهم من خلال شاشات التلفزيون عنوة وقهراً.