لم يكن موسم هذا العام من الخضار والفاكهة الصيفية في الجنوب وافراً. على رغم من تلبية الأهالي الدعوات لزراعة «الحواكير» قرب منازلهم لتحقيق اكتفاء ذاتي، فإن النتيجة لم تكن وافية.
للخضر والفواكه متطلبات عدّة، أهمّها توفّر المياه والأسمدة والأدوية الزراعية الخاصّة. وككل البضائع المستوردة، طال تأثير ارتفاع الدولار مقابل سعر صرف الليرة اللبنانية الأدوية والمستلزمات الزراعية كافة. ولم يعد بمقدور المزارع أن يشتري ما يحتاجه محصوله من الصيدليات الزراعية كما في السابق. فبدأت الزراعات تضعف لافتقادها للمقوّيات والأدوية وما يجنّبها التلف.

حسن طه، صاحب صيدلية زراعية، يقول إن أهالي المنطقة يشكون من ضعف الموسم الصيفي هذه السنة. ففي الماضي كان الاقبال على شراء الأسمدة والأدوية الزراعية أكبر. القدرة الشرائية للمزارعين كانت أعلى، أمّا اليوم بات شراء هذه المستلزمات صعباً، مما أثّر سلباً على نوعية الشتول والمنتوجات. «الدونم الذي يحتاج إلى كيسين من السماد، أصبح يحصل على كيس واحد فقط، فأضحى النمو أضعف طبعاً».

ولكن لا لوم على المزارعين، بالأخص الصغار منهم، فما كان يبيعه طه في صيدليّته الزراعية بعشرة آلاف ليرة لبنانية مثلاً، أصبح اليوم يساوي ما يقارب المئة ألف ليرة. «البضاعة مستوردة من الخارج، والتاجر يسلّمها تبعاً لتقلّبات الدولار. نحاول مساعدة الناس قدر المستطاع، فالأزمة أثّرت علينا جميعاً». ويشير إلى أن الأهالي قد بدأوا يتعوّدون على هذا الحال، فهم أحياناً مضطرون إلى شراء بعض المستلزمات التي لا تغطيها البدائل المتاحة، و في كل الأحوال، الوضع الراهن قائم على زراعة الحواكير المنزلية من أجل تخفيف الأعباء المادية للغذاء.

سيمون غناطس يعود إلى أرشيف الأجداد!


ضعف القدرة على شراء الأدوية والمقويات بسبب ارتفاع أسعارها ربطاً بسعر صرف الدولار، دفع بعض المزارعين إلى العودة لأرشيف الأجداد الخالي من المبيدات. قديماً، كان المزارعون يعتمدون على مواد طبيعية وبدائية لإنجاح المحاصيل. وقد تناقلت الأجيال هذه الأساليب، بخاصة في القرى الصغيرة حيث الزراعة هي المورد الأساسي والعمل الرئيسي للأهالي.
لجأ المزارع سيمون غناطس، من بلدة رميش (قضاء بنت جبيل)، إلى حِيَل عدة لانقاذ موسمه. بات يشتري فضلات الحيوانات كالماعز والبقر، ويستخدمها كبديل طبيعي وأكثر رخصاً من الأسمدة الأخرى. «فضلات الحيوانات أوفر على الجيب ومفعولها أقوى»، يشدّد غناطس الذي أصبح يكرّس جزءاً كبيراً من وقته للاهتمام بأرضه وزرعه منذ بداية الأزمة.



إلى جانب بديل السماد، يستخدم غناطس مياه الغسيل لريّ نبتات الباذنجان التي أصبحت تنمو بشكل أفضل وأقوى جرّاء ذلك. كما أن زوجته تستعين بمياه طبخ الحبوب، كالأرز والحمص مثلاً، فتسقيها للزرع الصغير جانب المنزل، وتؤكد أن «النتيجة فعالة مئة في المئة». ففي لبنان، بلد الثروات والمياه المتنازع عليها، شحٌّ كبير في مناطق الجنوب وغيرها. وأصبح المزارع يواجه مشاكل في تأمين ما تتطلبه هذه الزراعات من كميات كبيرة من المياه من أجل نجاح الموسم.

الأسمدة البديلة

يقول المهندس الزراعي جوني فرح، إن تقلّب الطقس والتغيّر المناخي الذي واجهه لبنان هذا العام، كان السبب الرئيسي في تراجع المواسم في المناطق كافة. «النبتة التي اعتادت على شرب مياه الشتاء في وقت معيّن، لم تحصل عليه. تلقّته في وقت مغاير. ما أثّر سلباً على الإنتاج».

ويشير فرح إلى أهمّية المواد القابلة للتحلّل كبقايا الطعام وأوراق الأشجار، في عملية استبدال الأسمدة الباهظة الثمن. ويشرح هذه العملية «compost» بكونها تجميع لهذه المواد ووضعها في خزانات. بعد تحلّلها، تنتج سائلاً ينساب عبر أنابيب مباشرة إلى الحاكورة. «بدل رمي المخلفات المنزلية القابلة للتحلل، يمكن إعادة تدويرها بهذه الطريقة، والنتيجة فعالة».

وبالنسبة إلى بدائل أدوية الرش أو المبيدات الحشرية التي يحتاجها الزرع للعيش والنمو بشكل أفضل، يشدّد فرح على أهمّية وفعالية استخدام المياه ممزوجة بسائل الجلي للتخلص من الحشرات الضارة بالنباتات. بالإضافة إلى إمكانية رشّ الخلّ الموجود في كل منزل ممزوجاً مع الصابون. ويمكن مزج هذا الأخير مع الزيت النباتي أيضاً للتخلّص من بعض أنواع الحشرات كالمنّ.