«أخشى أنه سيتمّ القضاء على مساحة واسعة من الأشجار الحرجية في المنطقة». بهذه العبارة علّق رئيس بلدية بقاعصفرين السابق، منير كنج، على واقع ومستقبل المساحات الحرجية في بلدته، وفي بقية بلدات وقرى الضنّية بسبب إقبال المواطنين الكبير على قطع وشراء الحطب، لاستخدامه من أجل التدفئة في فصل الشتاء.
في الشهرين الماضيين، شهدت المناطق الحرجية في الضنّية عمليات تعدٍّ واسعة لم تشهدها منذ سنوات، من أبرزها منطقة وادي جهنّم الواقعة بين الضنّية ومحافظة عكّار، وهي منطقة تتميّز بوجود مساحات حرجية واسعة فيها، ما جعلها هدف تجّار الحطب والفحم، ومواطنين كانوا يعملون فيها ساعات طويلة في قطع الأشجار الحرجية، عبر مناشير كهربائية، سُمعت أصواتها في أرجاء الوادي والمناطق المجاورة له.

وعورة المنطقة وطرقاتها الترابية الصعبة جداً، سهّلت على قاطعي الأشجار الحرجية القيام بفعلتهم بلا حسيب أو رقيب، سواء من قبل البلديات أو قوى الأمن الداخلي، وسط توقعات أن ترتفع التعديات على المساحات الحرجية في المنطقة في الأيام المقبلة، مع اقتراب موسم البرد.

ويعود توجّه المواطنين نحو الحطب وتموينه بهدف استخدامه للتدفئة، في منطقة جبلية يبقى أكثر من 70% من سكانها فيها شتاءً، إلى الإرتفاع الكبير في أسعار المحروقات، وعلى رأسها صفيحة المازوت التي وصلت إلى أكثر من 270 ألف ليرة، وقارورة الغاز التي ناهز سعرها 260 ألف ليرة، وهي أسعار تفوق قدرة أغلب أهل المنطقة على تموين وشراء هاتين المادتين، فباتوا يتصرفون تحت شعار «لا للموت برداً».

(عبدالكافي الصمد)()


وتُرجم التحوّل نحو الحطب كوسيلة للتدفئة، في إقبال المواطنين الكثيف على شراء مواقد الحطب تحديداً. في الإطار، يؤكّد مصطفى الغول، وهو صاحب محل لبيع مواقد تدفئة في المنطقة، لـ«الأخبار»، هذه الظاهرة، مشيراً إلى أن «أكثر من 90% من مواقد التدفئة التي نبيعها هي تلك التي تعمل على الحطب، أمّا بقية المواقد التي تعمل على المازوت أو الغاز أو الكهرباء فالإقبال عليها ضعيف جداً، بسبب ارتفاع أسعار المازوت والغاز، والتقنين القاسي للتيّار الكهربائي، الذي لا يلبّي حاجات الأهالي في الشتاء».

وحول إذا ما كان هناك فرق في الأسعار بين أصناف المواقد المختلفة، أوضح الغول أن «سعر موقدة الحطب المتوسطة الحجم تُباع بمبلغ 100 دولار، بينما مثيلاتها من مواقد المازوت فسعرها 90 دولاراً، ومع ذلك فإن نسبة بيع مواقد الحطب تزيد أضعافاً عن بيع مواقد المازوت».

لكن التوجّه إلى الحطب لا يعني أن أسعاره منخفضة أو في متناول اليد. ففي الأيّام الأخيرة، تراوح سعر طن الحطب بين مليون إلى 5 ملايين ليرة، حسب نوع الحطب وجودته، علماً أن حطب السنديان، نظراً إلى «صموده»، هو الأغلى سعراً. وإذا ما جرى احتساب حاجة كل عائلة بحوالي 4 أطنان من الحطب كمعدّل وسطي، فإن تكلفة الحطب ستتراوح بين 4 ملايين و20 مليون ليرة.

غير أن كثيرين، ومنهم محمد بكّور، إبن بلدة بقرصونا في جرد الضنّية، وجدوا حلولاً لهذه المشكلة من دون أي تكلفة مادية تُذكر: «عملنا في الأيام الأخيرة على تموين كمية كبيرة من الحطب من أراضينا الزراعية، وهذه الكمية سوف تزيد حتماً مع اقتراب موسم تشحيل الأشجار المثمرة ونزع اليباس منها، وخصوصاً أشجار التفّاح والإجاص والخوخ والكرز. وإذا احتجنا إلى كمية إضافية من الحطب في ما بعد، فسنتمكن من تأمينه من أشجار حرجية كثيرة موجودة في جوارنا»، على حدّ تعبيره.