أعاد شهر آذار هذا العام تأكيد المقولة الشهيرة «خبّي حطباتك الكبار لشهر آذار»، كيف لا والمناطق الجبلية في جرد عاليه شهدت، أسوة بباقي المناطق الجبلية منذ منتصف الأسبوع الماضي، تساقطات متتالية للثلوج، جاءت على شكل موجات قطبية، وسجّلت هذا العام ظاهرة مناخية جديدة حيث أنّ حالة الطقس كانت تتبدّل أكثر من مرة خلال اليوم الواحد، حيث يتحوّل الطقس من مثلج إلى مشمس، قبل أن تعود الرياح وتحمل معها الثلوج وسط تدنٍّ ملحوظ في درجات الحرارة التي لم تشهد لها المنطقة مثيلاً منذ أكثر من أربعين عاماً. كما لامست الثلوج المناطق ذات الارتفاع المنخفض في مناطق الغرب الساحلي، حيث شهدت بلدتا عيتات(تعلو 600 متر عن سطح البحر) وبيصور (800 متر) تراكمات للثلوج بلغت سماكتها حوالى 12سنتيمتراً، وهو ما لم يحصل منذ سنوات طويلة.

وعمل اتحاد بلديات الجرد الأعلى - بحمدون، بالتنسيق مع بلديات المنطقة، على فتح الطرقات الرئيسية وتأمين حاجات أبناء المنطقة، إلا أنّهم واجهوا مشكلة الشح في مادة المازوت، بالإضافة إلى إمكاناتهم المتواضعة في ظلّ الأزمة الاقتصادية والعواصف الثلجية المتتالية هذا العام ما أدّى إلى مراكمة الأعباء على البلديات.

وبعد العاصفة القطبية المنشأ التي أُطلق عليها اسم «اللؤلؤة» أو «Gretta»، حلَّت موجة الصقيع، التي لفّت بلدات جرد عاليه، ما زاد معاناة الأهالي، في ظلّ الارتفاع الجنوني لسعر المحروقات، ولا سيّما مادة المازوت التي كانت تستخدم للتدفئة بشكل كبير، إلّا أنّ غلاء الأسعار وشحّ هذه المادة هذا العام، دفع بقسم كبير من سكان المنطقة للعودة إلى اعتماد الحطب للتدفئة.

ومع قدوم العاصفة، عانى الكثير من أهالي وسكان منطقة جرد عاليه من فقدان الحطب للتدفئة، بالإضافة إلى الارتفاع الهائل لثمن صفيحة المازوت التي تخطّى سعرها الـ500 ألف ليرة لدى بعض المحطات، بينما السعر الرسمي كان بحدود الـ48900 ألف ليرة، كما ارتفع سعر الحطب بشكل ملحوظ بعد ارتفاع الطلب عليه، بحيث تخطّى سعر الطن الواحد المليونَي ليرة لبنانية.

ولم تقتصر معاناة الأهالي على فقدان وسيلة التدفئة، بل انقطعت أيضاً شبكات الهاتف الثابت والخلوي بسبب العواصف من جهة، وفقدان مادة المازوت وتوقف السنترالات ومحطات الإرسال من جهة ثانية، كما تأثّرت خدمة الإنترنت بشكل كبير، وترافق ذلك مع التقنين القاسي في التيار الكهربائي، ما حال دون اعتماد الدراسة عن بُعد، وإعلان المدارس تأجيل الدروس إلى الأسبوع المقبل في ظل الظروف المناخية وانعدام شبكتَي الكهرباء والإنترنت.

وفي ظلّ الواقع الحالي يمكن القول إنّ منطقة جرد عاليه تشهد أزمات بالجملة، حيث يترافق التقنين القاسي في التيار الكهربائي والذي يتجاوز العشر ساعات يومياً، مع توقّف عدد كبير من أصحاب الاشتراك عن تشغيل مولداتهم بسبب غلاء مادة المازوت، ما أدّى إلى غرق بلدات منطقة جرد عاليه في العتمة الشاملة، الأمر الذي فاقم معاناة السكان الذين عملوا خلال العاصفة على تأمين وسائل التدفئة والخبز بالدرجة الأولى، بينما تمّ التقنين في شراء المواد الغذائية، بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار، ما دفع بالبعض إلى الحصول على المواد الأساسية فقط لتأمين المتطلبات اليومية، والتي باتت عبئاً اقتصادياً على عاتق الأسر في فصل الشتاء، خصوصاً أنّ بعض المهن تتأثّر أيضاً بالظروف المناخية، ما يؤثر على دخل بعض العائلات خلال فصل الشتاء حيث تزداد المصاريف وتقلّ المداخيل.