قساوة الظروف التّي يعيشها المواطنون في وطن استُنزفت قواه جعلت الأطفال يحلمون كثيرًا وواقعهم يئنّ. وفي اليوم العالمي للطفل تحية لكلّ طفل نجح في تحويل أحلامه إلى حقيقة على الرغم من الإمكانات المتواضعة المتوافرة. فمن حقّهم الحياة الكريمة.
«حلمي أن أكبر وأصبح رسّامة مشهورة». بهذه العبارة، تخبر «سيدرا» عن طموحها لعلّ القدر يبتسم لها رغم المعاناة الطويلة التي سبّبتها لها ولأهلها ظروف الحرب في سوريا، والإمكانات الضعيفة التّي قد لا تخوّلها أن تضع حجر الأساس لحلمها هذا. ولكن، الأحلام لا تموت أبدًا!

تخطّ إبنة الثلاثة عشر عامًا رسومات من صور ترسّخت في ذهنها، أو رأتها في كتبٍ أو شاهدتها وتقلّدها. بِعدّتها المتواضعة، قلم رصاص، أقلام تلوين خشبيّة، ممحاة، مبراة، مسطرة، وأوراق بيضاء بالكاد متوافرة، تجلس في إحدى زوايا البيت، وبتأنٍّ ودقّة، ترسم لوحاتها شرط أن يعمّ الهدوء من حولها. فمنذ أن لجأت مع عائلتها إلى لبنان عام 2013، تعيش «سيدرا» في منزل وسط الطبيعة، بين الحقول والأشجار. المفارقة أنّ أقلام التلوين التي بحوزتها لا توفّر لها درجات الألوان المتموِّجة التي تميّزها، لكن تعمد إلى محاولة مزج الألوان باستخدام أناملها كي تخلق درجات مبتَكرة من الظلال التي قد تصنع فرقًا في الرسمة.

لا تكتفي «سيدرا» بالرسم فقط، بل من هواياتها أيضًا الأعمال اليدوية على اختلاف أنواعها، وأبرزها الخياطة. تجمع بشغف الثياب التّي لم يعد لها منفعة أو التي فقدت صلاحيتها للبس ومخلّفات قطع القماش. تخطّ في ذهنها ما ترغب بصنعه، وبإبرة وخيط، من دون أن تمتثل لدروس أو تعليمات من أحد، تخترع ثيابًا للعبتها «باربي». تختلف التصاميم وتتعدّد أذواق الفساتين وفق صيحات الموضة المتعدّدة.

ذات مرّة، راودت «سيدرا» فكرة صناعة لعبة كاملة من قطع القماش، فراحت تجمع القطع الطويلة وتختار نوعًا من القطن يُسمّى «الديباج» ليشكّل حشوةً مناسبة. لجأت إلى أقلام التلوين لرسم تكاوين الوجه ثمّ عادت فاستعانت بالأزرار المستديرة والخرزات المستطيلة لتستبدل بها ألوان معالم الوجه المهدّدة بالاختفاء والزوال. خرجت تلعب مع صديقاتها في الحقل المجاور للبيت، فرحةً بالدمية التّي صنعتها. فسألنها من أين اشترت تلك اللعبة؟ أخبرتهنّ أنّها أعدّتها بنفسها واستغرق صنعها حوالي الساعتين ونصف الساعة من الوقت. فرغبن أن تصنع لهنّ دمًى مُشابهة ليلعبن بها بعضهن مع البعض الآخر. وبمبادرة تلقائية، جمعن مبلغًا ماليًا صغيرًا وقدّمنه لصديقتهن مقابل الدُّمى المميّزة، الأمر الذي أسعد «سيدرا» وشجّعها على المثابرة في عملها وأعطاها ثقة بنفسها نظرًا لما لاقته من تقدير لجهودها الحثيثة ولهوايتها الفريدة.

تتمنّى «سيدرا» لو أنّ لديها المزيد من درجات الألوان لتعطي رسوماتها رونقًا مماثلًا لجمال الواقع، الذي مهما بات قاسيًا، تراه دائمًا مزدانًا بالجمال والفرح. رغم النقص في مواد الرسم والتلوين والخيطان، لا تتوقّف عن الإبداع بما هو متاح لديها، وبالقليل الموجود عندها، تبتكر وتصمّم الكثير والجميل. تتمسّك بأحلامها وتثابر على تحقيقها. فعلى الرغم من كلّ الظروف السيئة التّي تقاسي منها بسبب الحرب والنزوح واللجوء والقلّة، لا تتنازل ولو عن حلم واحد من أحلامها: الحياة بالنسبة إليها علبة ألوان يختار منها المرء لونه المفضّل، وهي قد أزالت من علبتها، عن سابق تصوّر وتصميم، لوني الأسود والرمادي، واستبدلتهما بألوان... قوس قزح.