ما حفّز استيراد السيارات بهذه الوتيرة في بلد مفلس، أن التجّار التقطوا باكراً إشارات واضحة من السلطة بأنها ستقوم بتعديل «الدولار الجمركي». لم يحدّد رقم واضح قبل بضعة أشهر عند بدء النقاش في هذا الأمر، إنما لطالما كان الحديث عن دولار جمركي يتراوح بين 12 ألف ليرة وبين سعر الصرف في السوق الحرّة. هكذا عمد تجّار السيارات، ولا سيما السيارات المستعملة الذين استحوذوا على الحصة السوقية الأكبر، إلى تكثيف عمليات الاستيراد لتحويل دولاراتهم إلى سيارات يمكن بيعها بعد تعديل الدولار الجمركي وتحقيق أرباح طائلة. وفي هذه الأثناء، رفعوا أسعار السيارات بما لا يقلّ عن 2000 دولار، واستغلّوا مسألة انخفاض كلفة الشحن بنسبة تصل إلى 70%.
كل ذلك، لم يكفهم، بل انتظروا ليصبح قرار تعديل الدولار الجمركي نافذاً، اعتباراً من أول هذا الشهر، حتى يطالبوا بتعديل آلية احتساب الرسوم على السيارات وخفضها حفاظاً على استمرارية أرباحهم.
حالياً، تُحتسب الرسوم على السيارات المستعملة، على النحو الآتي: تُصنّف الرسوم على أساس شطور قيمة السيارات. وشطور السيارات مبنية على التسعيرات الرسمية لها المعتمدة في دول الاستيراد، أي أنها بالدولار أو باليورو. الشطر الأول لغاية 20 مليون ليرة ومجمل قيمة رسومه لا تتجاوز كحدّ أقصى نحو 7.5 ملايين ليرة (5% تضاف إليها رسوم ثابتة أو حدّ أدنى للرسم). أما الشطر الثاني، الذي يحدّد كل ما هو فوق 20 مليون ليرة، فهو لا يزال يخضع لرسم بمعدل 50%، لكن قيمة احتسابه بعد تعديل الدولار الجمركي باتت مختلفة جداً. فإذا أخذنا سيارة قيمتها 12 ألف دولار، فإن قيمتها 22.5 مليون وتخضع للشطرين من الرسم بقيمة 7.5 ملايين على الشطر الأول، و1.3 مليون على الشطر الثاني. أما بعد تعديل الدولار الجمركي، فإن قيمتها باتت 225 مليون ليرة وتدفع 7.5 ملايين ليرة عن الشطر الأول، و102.5 مليون ليرة عن الشطر الثاني.
بهذا المعنى، إن تعديل الشطر الأول وزيادته سيخفض الرسوم الإجمالية، بحسب ما يقول نقيب مستوردي السيارات المستعملة، إيلي قزي من 94 مليون ليرة إلى 70 مليون ليرة على السيارة الواحدة. لذا، يطالب المستوردون بتعديل الشطور حتى يتاح لهم بيع السيارات التي خزنوها. فالأسعار المحسوبة على الدولار الجمركي الجديد لا تتناسب مع القدرة الشرائية للمستهلكين. وهذا ما حاول ترويجه رئيس «الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان» مارون الخولي، الذي قال في مؤتمر صحافي خصص لمساندة تجار السيارات: «العامل الذي يقبض الحد الأدنى للأجر سيحتاج إلى ثلاث سنوات ليجمع قيمة هذا الجمرك، شرط أن لا يصرف منه قرشاً واحداً». طبعاً، ينسى الخولي أنه ينحاز ضدّ العمّال الذين يمثّلهم لمصلحة مستوردي السيارات.
لا يقف طموح المستوردين عند تعديل الشطور الجمركية، بل يطالبون بتعديل الرّسم على الاستهلاك
كذلك، يطالب المستوردون بإعفاء الشحنات الصادرة بوالصها قبل بداية الشهر الجاري من «الدولار الجمركي». يقول قزي إن «رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وعدنا بذلك، لكن الجمارك احتسبت الرسوم الجمركية على تلك الشحنات على أساس الرسم الجديد، فتركناها في مرفأ بيروت». ويشير نقيب أصحاب معارض السيارات المستعملة، وليد فرنسيس إلى أنه في المرفأ نحو 4500 سيارة «عالقة».
ولا يقف طموح المستوردين والتجار عند تعديل الشطور الجمركية، بل يطالبون أيضاً بتعديل الرّسم على الاستهلاك عبر تشريع في مجلس النواب. يوضح قزي أن «لبنان ملتزم مع الاتحاد الأوروبي بالرسم الجمركي 5% المفروض على السيارات المستعملة، لذا الحل لخفض قيمة الرسوم هو بتعديل الرسم على الاستهلاك البالغ 45% وخفضه إلى 5%، ورفعه كلّما ارتفعت قيمة السيارة المستوردة».
تجارة تستنزف العملات الصعبة
تجار السيارات هم المستفيد الوحيد من غياب مشاريع النقل المشترك. فبدلاً من تنفيذ مشاريع كان يمكن تمويلها، فضّلت القوى السياسية دعم استيراد السيارات الخاصة. في عام 2018، بلغ عدد السيارات المسجّلة في لبنان نحو 1.8 مليون سيارة في بلدٍ لا يتجاوز عدد المقيمين فيه 6.5 ملايين شخص. طبعاً، أدّى ذلك إلى نزف ضخم للدولارات نحو الخارج، بدءاً من ثمن السيارات إلى كلفة المحروقات وقطع التبديل والصيانة، وصولاً إلى استهلاك البنى التحتية. لذا، لا معنى اليوم للمبالغ التي يُفاخر قادة قطاع السيارات بأنهم يُدخلونها إلى خزينة الدولة، لدى مقارنتها بحجم نزف العملات الصعبة الناتج من استيراد كل هذه السيارات.